Thursday, October 15, 2009

هل أقتل الطائر يا أبي؟




تقول الامثولة ان رجلا احتار في علاج خيانة زوجته فلم يجد بدا من الحديث إلى أبيه، كيف لا وهو الاب المحنك ، ومن عصرته الحياة. ولكن قبل ذلك كيف للولد أن يأتي إلى أبيه هكذا مباشرة ويطرح بين يديه قضيته التي ظلت تؤرقه طويلا. قلب الرجل الامر في رأسه وعزم اخيرا على بسط الامر بين يدي أيدي لعله ان يجد له حلا يخرجه من مأزقه
الابن: إذا كانت هناك تينة مثمرة في بستان، ولكن هذه التينة يأتيها طائر يأكل من ثمرها، هل أقتل الطائر يا أبي؟
الاب: (لم يأخذ الاب كثيرا من الوقت ) يا أبني إنك إن قتلت الطير فسيأتي طائر أخر مثله ليأكل من التينة، ولكن من الافضل ان تقطع التينة، فحينها لن تأتي الطيور إلى بستانك


هذه الامثولة وغيرها كثير ما تتداول في عمان ، إذ يحرص بعض كبار السن على سردها في سياقات عدة للحديث. من المهم التنبيه هنا ان هناك عدة تعبيرات تستخدم بدلا من كلمة الطائر أي كجنس عام للطيور فبعضهم يخصصها للبابو وهو طائر معروف في عمان وربما ينوع البعض في اسم الطائر فيطلق عليه اسم طير من فصيلة مختلفة. كما ان البعض على ما أظن يفضل استخدام شجرة الفرصاد بدل التينة. على عموم القول الامثولات والحكايات والامثال تتنوع وتتعدد فيها المسميات باختلاف المناطق وباختلاف اللهجات

محور الحديث هنا هو التركيز على استخدام الافعال في سياق الامثولة سواء في سؤال الابن او في رد الاب
الابن استخدم فعل القتل كحل نهائي لمشكلة الطائر الذي يسرق ثمرة التين منه قبل ان يتذوقها هو. فمنطلق الابن هو حماية التينة وثمرها من سطو الطائر وانتهاكه، لكن الاب يفاجئ ابنه بان القتل ليس وسيلة ناجعة ، كما ان الطائر ليس هو المشكلة في هذه القضية، بل المشكلة في التينة ذاتها. هنا نجد الاب يستخدم فعل القطع للوصول إلى حل المشكلة فالمشكلة ليست في قدوم الطائر بل في التينة ذاته ، التينة التي تغري الطائر بقطف ثمارها. فالذكورة هنا تمارس سطوتها ، إذ ان الاب لم يشجب فعل القتل لكونه ليس حلا ناجعا فالاب هنا يعطي اتفاقا مبدئيا بمنطق الفكرة ولكنه لا يتفق معها لكون ان القتل لا يلغي احتمالية قدوم طائر آخر غيره. فالاب هنا يغلق على ابنه إمكانية اتخاذ فعل القتل كوسيلة لانهاء انتهاكات الطائر.فمقترح الاب هو قطع التينة وفعل القطع هنا مجازي يتمثل في الطلاق ، أي إخراج الزوجة من بستان الزوجية
الفعل الذي استخدمه الابن هو فعل حقيقي اي ان الابن كان ينوي قتل الرجل الذي يعاشر زوجته بينما الفعل الذي استخدمه الاب هو فعل بصيغة المجاز. فهنا تقابل بين غليان دم الابن باتخاذه قرار قتل الرجل المغير على تينته ، وحكمة الاب الذي جرى مع مجرى كلام ابنه المعتمد على الاشارات الخفية في الكلام والتي فهما الاب بسرعة. فالاب هنا يمتلك سرعة الفهم وسهولة الاقناع ويثبت براعته للتدليل على فهمه باستخدام فعل القطع والذي استخدمه على سبيل التورية عن الطلاق
هل ثمة مكر ذكوري في الامثولة حين منع الاب ابنه من اختيار حل القتل؟ يبدو ان هذا المنحى غير بعيد عن معطيات سياق الامثولة فالحل الذي يقدمه الاب هو الحرص على التخلص من فضيحة التينة بقطعها وتمزيق روابطها بالارض فبذلك لن يأتيها اي طائر،  فاستمرار الشجرة يعني استمرار توافد الطيور إليها  فلا مجال للابن اين يقتل جميع الطيور ليحمي التينة ، فالشروع في القتل يعني شرا على جنس الذكور، من جانب أخر هناك تفسير اخر لرد الاب على ابنه ، فما دام الابن غير قادر على صد الطيور ومنعها منذ البداية فالاولى بالابن هنا ان يقوم بقطع التينة مخافة ان يستفحل الامر ويخرج من نطاق سيطرة الابن وابيه، فالاب عندما رأى ان ابنه قد وصل إلى قرار القتل وهو في قمة الغليان فلا بد من توجيه فعل القتل إلى فعل آخر اخف وطأ وأقل خسارة وهنا هنا فعل القطع
فالاب هنا يقدم للابن بمنعه من تذوق ثمار التينة الاثمة بقطعها فما دام هنا طائر آخر قد تذوق من ثمارها  فستصبح متاحة للجميع الطيور من مختلف الاصناف. فالحل امام الابن هو الابقاء على الطير حرا طليقا  ومعاقبته بقطع التينة

تحيلنا الكثير من الامثولات والحكايات الشعبية إلى كثير من المفاهيم والقيم التي تسير المجتمعات، فالكثير من الحكايات والامثال هي نتاج مراحل مختلفة زمنيا ولا تعني بالضرورة انها تمثل صيغا لنهائية لطرائق التفكير في اي مجتمع فالمجتمعات تتغير وتتبدل في طرق تعاطيها مع الامور والقضايا. ومقاربتي هنا لهذ الامثولة ليست مقاربة نهائية وإنما صيغة اولية لفهم هذه الامثولة وفتح المجال لدراسة الكثير من الامثال والقصص العمانية من منظور لغوي للوصول لفهم اعمق لها
في الجانب الاخر يتخذ الكثير من الناس مثل هذه الامثال والقصص على انها ثوابت اجتماعية ننطلق منها في حل قضايانا ومشاكلنا الاجتماعية  المعاصرة، في ذات الوقت لست اقصد من هذه القراءة الوقوف مع اي طرف مع اطراف الامثولة بل قراءتها وفهما كما هي ، واردة في سياقها الذي سمعته، مع العلم كما قلت سابقا ان هناك تنويعات لهذه الامثولة وغيرها باختلاف اللهجات والمناطق في عمان
في الجانب الاخر هذا الاسلوب في التورية موجود وسائد في لدى العديد من الشعوب والثقافات ولا تختص به ثقافة دون غيرها، ولكن كل ثقافة لها طرقها في العبير عن ما تريد التورية عنه، فلا مجال هنا للتفريق بين الشعوب بين البدائية او المتحضرة بل إن كل ثقافو واي شعب يعكس خبرته التاريحية والاجتماعية والحياتية في صياغة توريات تملك القدرة على التواصل والتفاعل الايجابي لدى المتلقي

No comments:

Post a Comment