Wednesday, November 11, 2009

عن كائنات الظهيرة


قراءة الأستاذ عبدالرزاق الربيعي عن مجموعتي "كائنات الظهيرة"،  والقراءة نشرت في مجلة نزوى الثقافية العدد الثالث والخمسون هنا



ابتداء بالإهداء يضعنا الشاعر عوض اللويهي بمجموعته الشعرية الأولى «كائنات الظهيرة » في قلب الطفولة مستعيرا من عوالمها الدهشة الأولى التي تمثل قاسما مشتركا أعظم بينه وبينها، فالمجموعة الصادرة عن وزارة التراث والثقافة يهديها الى إبنته «ايلاف» موضحا « بلثغتك الطفولية البريئة قلت لي مرة: جرحني الدم ، أهديك قصائدي مخافة انقلاب المجاز».




هذا المفتتح يلخص قلق الشاعر من «انقلابات مجازات الواقع المر الذي يواجهه في صحراء أيامه حيث الوقت خلق من خزف في لحظات الإنكسار فلم يجد سوى الاحتماء بالطفولة ملاذه الآمن وحصنه الأخير حيث البراءة والعذوبة ففي نصه «اطفال» يقول:



الاطفال ينكمشون



داخل اسنانهم اللبنية



مبللين قاماتهم



بأوراق الموز



باكين من قطط المشيئة السوداء



الاطفال يبكون



من امهات يتوحشن في آخر الليل



رتبوا عظامهم تجت جلد البلاستيك وناموا



العصافير تطرق حناجرهم



بمطرقة الماء



الاطفال يعودون الى احضان امهاتهم



تاركين اسماءهم



خلفهم



واجفانهم المخيطة



بفراشات صراخهم



غارقة في حليب البياض



وهكذا يغرق اللويهي في عوالم الطفولة التي يرى انها عوالم هشة سرعان ماتنهار في عالم تسيطر عليه «قطط المشيئة السوداء » والظلام فهذا الطفل القادم من الصحراء كان «مبتهجا بالخيول التي تتحرك بالكهرباء» كما يقول :



تدور بي الآلة المبهجة



وانا ثابت



فوق ظهر الحديد



لكن فجأة تتوقف ويفيق الشاعر من حلمه فهذه الخيول ليست سوى أوهام صنعتها مخيلة الشاعر التي تقوده للتأويل الذي قد ينكسر قليلا بالنسيان :



عندما ينعس القلب



يخرج كفاك



من زحمة المستحيل



يرسمان



الصبي الصغير



صاعدا



نحو غافته



في اعالي الصدى والعطش



في نصه «كائنات الظهيرة» الذي حملت المجموعة عنوانه يقدم ثلاثة عشر مقطعا قصيرا لحالات يلتقطها الشاعر من الطريق وكلها يجمعها خيط مفردة «الظهيرة» بشكل مباشر ومرة واحدة ذكرت بشكل غير مباشر:



الاطارات تغازل



الاسفلت الملتهب



سائق سيارة الاجرة



تحت المظلة



يستمتع



بآخر سيجارة



قبل ان يرسو



على دفء زوجته



فجملة(الاسفلت ملتهب) دالة على الظهيرة التي تتلون في كائنات الشاعر بعدة ألوان وفي المقطوعة ٧ يقول:



الغاف لا يبلل



وحشته في الظهيرة



سوى صوت



العصافير النزق



وريح ترقص



مع الغبار



البعيد



وهكذا يلتقط اللويهي صوره من تفاصيل الحياة اليومية حيث أن «كل الأشياء تولد من العفوية» كما يقول راسما عليها مشهدا شعريا، لذا تأتي دائما جملته منسابة مكتنزة بالمعنى عفوية ، عليها يبني تصوراته ورؤاه وموقفه من العالم ، فحين يرى (قارئة) تتصفح رواية (الحب في زمن الكوليرا) يدون مخاطبا إياها :



«أظنك تحملين الروائح



بكف مرتعشة



الغيوم تسيل على الشرفة



وانا بجوارك



أرقب التفاصيل



رائحة اللوز المر



تفوح من الحب في زمن الكوليرا»



وفي نص (طالب جامعي) يأتي على ذكر راسكولنيكوف بطل رواية دوستويفسكي(الجريمة والعقاب) :



«لا يرهقه البحث



عن عجوز راسكولينكوف



ليرهن عندها امتعته البسيطة



ولا يفكر في الوجود والعدم



او في نوع التبغ والمشروب



يكفيه



أن يضغط على مفاتيح



آلة الصرف



ليفتضح بؤس حياته»



وفي المجموعة تناصات تعكس ثقافة الشاعر وانصهار صوته بأصوات سابقة منطلقا من مقولة ميشيل فوكو الذي يرى ان النص يتشكل من تواجد أصوات متراكمة متسلسلة ومتتابعة ففي نصه «وتد وحيد في الغرفة العالية السقف» يقول:



تزداد الألفة بيننا



حتى يزرق العتاب



تجيئين



«إذ الذئب يعوي كالخليع المعيل»



الذي يرد في معلقة أمرئ القيس بقوله:



وواد كجوف العير قفر قطعته



به الذئب يعوي كالخليع المعيل



مستعيرا تلك الوحشة التي جثمت على صدر الملك الضليل وهو يقطع الصحراء التي يعوي بها الذئب الكثير العيال المنبوذ من أهله لتصوير أحاسيسه حين تجيء الحبيبة:



تاركة فوق وسادة



المشفى البيضاء



زكامك الدائم



والسعال المختلط



بماء ورودك الذابلة



كنت أظن



تقطعين الليل



بمقص الأظافر



فاتحة نافذة لقطط



الريح الجائعة



وترد تناصات مع آيات من القرآن الكريم كما في قوله تعالى «وتلك الأيام نداولها بين الناس» بقوله :



من نافذة يخرج صوت التسجيل



«وتلك الأيام نداولها بين الناس»



يزبد



يتدثر بغبار الحنق المجنون



ومع فيروز وأغنيتها (ذاكر ياترى) في نص (ولولا ثلاث) حيث يحيلنا هذا العنوان الى معلقة طرفة بن العبد وقوله:



ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى



وجدك لم أحفل متى قام عودي



ولكن اللذة التي ينشدها عوض اللويهي غير اللذات التي تستهوي طرفة بن العبد فثلاثية اللذة عند اللويهي تتمثل في سماع أغنية لفيروز وخيط حكاية أقرب للروح من دمع الأم والرحيل المشتهى



وقد يتناص الشاعر من خلال تمثل نصوص، ففي نصه«فلاح » يقول:



خضراء



خضرة عيني زوجته عند الظهيرة



الاعشاب



الأشجار



النخل المرفوع بجذوع بنيه



أخضر



كفاه خضراوان



كل هذه الخضرة ترهقه



عندما يرفع عينيه الى السماء



لماذا لاتكون خضراء



يتناص مع لوركا أخرى دون ان يقع على النص ( الأول) وقوعا تاما لكي لا يقع في الاتباعية :



«خضراء أحبك خضراء



الريح خضراء



الفصول خضراء



المركب في البحر



والجواد على الجبل



على شرفتها حلم



والظل على خصرها



جسدا أخضر وشعرا أخضر



خضراء أحبك خضراء»



لكن اللويهي يستثمر هذه الخضرة ليطرح سؤالا دالا وبذلك فإنه يضخ الخضرة بدلالة جديدة تغذي رؤيته الجمالية وتمدها بطاقة جديدة .



ومن الملاحظ ان لغة الأسى طاغية على المجموعة فالشاعر يكتب مراثي للوقت حيث يقف وحيدا تتجاذبه عدة أزمان حين يرى رحيل الأصدقاء «عن الأبجدية في ساعة المطر القروية» :



شالك الآن



يمسح كل الخطوط



الصغيرة



عن وجهك القروي



رائحة العنب المر



توشك أن تعصر



الخمر



من قامة الرمل



والطرقات



وحين يدون هذه التفاصيل يزخرف اللويهي نصه بمعطيات البيئة العمانية حيث يتكرر عنده في اكثر من نص رائحة البحر والنخيل والجبال ووالأفلاج ونبات (الغاف)



علقنا أكبادنا على إبر المشيئة



مثلما يعلق نسر عجوز



تاريخه المتهالك



فوق غافة ميتة



وكذلك يذكر (البرم) وهي أزهار شجرة صحراوية معروفة في عمان و(المبصيلة) النبات ذو العيدان الداكنة الخضرة الطويلة والرفيعة والبل الذي هو زهور شجرة النارنج حيث يقول:



اقتربي



لتنسى أمك



البيت في(طشت )الغسيل



ويبيض البل



في قعر البئر



من الناحية الإيقاعية فإن اللويهي يكتب النص الجديد المتحرر موسيقيا من سطوة موسيقى الشعر العربي التقليدي رغم انه في نصه الأول الذي حمل عنوان (مفتتح) يتعمد وضع نص موزون وفق تفعيلة (الكامل) «متفاعلن متفاعلن» بقوله:



وكأنما الدنيا فضاء



واسع



وأنا سماء لا تفيض



على الفضاء



دعي القرنفل في تأنقه



فليس الآن



للذكرى مكان



لاتساع الحلم



والميلاد فاتحة الغياب»



ويكتفي من الوزن بهذا النص اليتيم وكانه أراد ان يبدأ احتفاءه بصخب موسيقي ويضع أما ناظري المتلقي فرشة موسيقية تسره وتمهد لما سيأتي من اشتغالات جمالية .



ويتجنب اللويهي اللغة التقليدية المثقلة بالحمولات البلاغية حيث يستل لغته من ثنايا الكلام اليومي:



العامل الآسيوي



يحاصر الظهيرة



بقطعة صغيرة



من فوطة مهترئة



يبللها بماء الفلج



المجاور للدكان



وأحيانا يلجأ الى تقطيع الجمل مستثمرا البياض محاولا ملأه بالدلالات :



كان مشهدا مريعا



أن أذبح



أضحية



العيد



بقلم



رصاص



مسنون



هي محاولة كانت تخامرني منذ الطفولة



أن أقطع الطرقات



اليك بنصف تفاحة



وأعطي بذرتها للبحر



كما فعل في قصيدته (الأطفال) حيث يفتت مفردة (تطرق) ويفرشها على أربعة سطور متيحا للمتلقي تخيل عملية الطرق :



العصافير



ت



ط



ر



ق



حناجرهم



بمطرقة الماء



بهذه اللغة اليومية البسيطة الموحية المتخففة من البلاغة التقليدية وبهذه الأحاسيس المندغمة مع حركة العالم وبهذا الصفاء الشعري ،يدون اللويهي اسمه بثقة كواحد من الشعراء الشباب الذين يؤكدون حضورهم بهدوء في المشهد الشعري العماني الجديد بدون ضجة ولا إدعاءات ولا زيف منطلقين من إخلاصهم للعملية الشعرية .


Wednesday, November 4, 2009

ترصد ورواسب الأسطح المهتزة في الأحلام

قبل أن يدخل الليل إلى القرية الوادعة كنت وصاحبي قد صعدنا سطح البيت القديم، تفاجئنا ببهاء القمر في تلك الليلة، كانت حرارة الصيف قد انكسرت قليلا، قال لي صاحبي حاذر من أن تمشي في وسط السطح فهو يكاد أن ينهار ولا تحدث ضجة. كنا نترصد شبحا ربما سيأتي ويدمر الغرفة الجميلة لأحلامنا. الشبح الجبان الذي نجد آثار تخريبه ولكن لم نستطع التعرف عليه وهو يقوم بجرمه المشهود.
قلت لصاحبي: هل أنت متأكد أنه سيأتي؟
قال: سيأتي لان الليل فرصته الوحيدة للتخريب
مرت اللحظات وأنا مفتون ببهاء السطح وجمال النسمات تداعب قمم النخيل والقمر يرسل سطوة نوره كلما تقدم الليل
فجأة سمعنا حشرجة حنجرة رجل عجوز، قال صاحبي إنه فلان، ثم ما لبثنا أن سمعنا انفجار بطنه يفرغه تحت إحدى النخلات، كان العجوز يتلذذ بقضاء حاجة إذ أنه في مأمن من سماع أحد له، تمالكنا نفسينا بقوة مخافة أن يسمع صوت ضحكاتنا، عقب كل انفجار كان يعقبه صوت اح اح ، يبدو أن المسكين يفرغ ما بقي من غداء يومه، واستراح من عناء الحرارة في جوفه وفي الهواء المحيط به.
مر الوقت سريعا، كنا ننتقل فوق السطح من مكان إلى آخر وكان صاحبي في كل مرة ينبهني من أن أدوس على المكان الخطا فيحدث المكروه، إذ أن السطح عال جدا فإذا سقط أحدنا فلن يجد فرصة للحياة، فالسطح قد زيد فيه على مر الايام طبقات من الاسمنت القوية وزد على ذلك جذوع النخل، كنت أحس أن السطح يتحرك حتى بدون أدنى حركة منا. بالطبع لم يأت الشبح الذي كنا ننتظره.
ما بقي في الذاكرة وسكن في اللاوعي هو مشهد الاسطح المهتزة للبيت القديم، هذا المشهد الذي ظل يلاحقني في أحلامي طويلا بعد تلك الحادثة. تتغير البيوت والمشاهد المطلة عليها، وكأن هذا المشهد يتلون ويتغير حسب حقب تاريخية أجهلها كما أجهل الأمكنة التي أكون فيها. فمرة بيوت عادية وتارة قلعة حصينة ومرة بيت مزين بزخارف أراها للمرة الأولى، وتارة حصن مبني على سفح جبل ويكون شبه متهدم، وتارة بيت كبير يتحكم في مدخل حارة، بيوت بأسطح واطئة وبيوت بأسطح عالية، عندما استيقظ من النوم أبقى طول اليوم أسترجع المشهد علني أتذكر ملامح المكان ولكن بدون فائدة تذكر، هل أقول ان روح المكان قد تشرب بها وعي اللحظي في تلك اللحظة الترصدية ثم انتقل إلى العقل اللاواعي. في المشاهد الحلمية مرة اكون وحدي ومرة مع أحد، مرة أكون خائفا من مطاردة أحد الاعداء فما ألبث أن أحتمي بالسطح.ومرة على سطح بيت يطل على مجرى واد مع سلاح أنتظر مرور أحد لأقتله، أوأكون هاربا مع شخص غريب أتولى حمايته من مجهولين ينوون قتله.
أزمنة الأسطح تتغير في كل حلم فمرة في الليل ومرة قرب الفجر ومرة في الظهيرة ومرة عند الأصيل، الأغرب من ذلك أن كل تلك المشاهد تحمل سمات المكان العماني في كل مرة، ولكن ما يزيدني حيرة هو أن تلك المشاهد أراها للمرة الأولى في حياتي، وبشر لم ألتق بهم على الأطلاق، فربما يأتون من أزمنة بعيدة في القدم ولكنهم يحملون السمات العمانية، ما يدهشني أنني في تلك الاحلام أعيش اللحظات التي تفرضها الأحلام علي مع أن صوتا غريبا في داخلي أثناء الحلم يقول لي أنك تحلم وهؤلاء البشر ليسو من البشر الذين هم في زمنك. ربما سأكتشف في يوم ما كنه تلك الأحلام والأماكن الغريبة والعجيبة التي يبدو أنها غير موجودة على أرض الواقع. وكل ذلك يعود إلى تلك اللحظة الترصدية في تلك الليلة الغريبة التي أدخلتني إلى أراض حلمية مغرقة في العجائبية المكانية والزمانية.

مشروع مجمع عمان الثقافي الحلم الذي تحقق أخيرا

خبر جميل زفته الصحافة العمانية اليوم لجميع المهتمين بالشأن الثقافي في عمان والخبر هو التوقيع على الخدمات الاستشارية لمشروع مجمع عمان الثقافي، الفرحة لا شك  غامرة بقرب اكتمال الحلم وتحققه بعد طول انتظار وتكهنات كانت مفرطة في اليأس



وهذا هو نص الخبر كما جاء في جريدة عمان:
على مساحة 400 ألف متر مربع وبتكلفة 45 مليون ريال


التوقيع على اتفاقية الخدمات الاستشارية لتصميم مجمع عمان الثقافي

فرحة وارتياح بين الأوساط الثقافية ومباركة للحلم الذي بدأ يتحقق

متابعة عاصم الشيدي

وقع صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة أمس على اتفاقية الخدمات الاستشارية لتصميم مجمع عمان الثقافي مع شركة ارتاكس استوديو الفرنسية التي تم اختيارها لتصميم المشروع بعد منافسات مع شركات عالمية.

ووصف صاحب السمو السيد هيثم بن طارق المشروع بأنه المشروع المتكامل الأول في السلطنة، مؤكداً أن تصاميم المشروع حظيت بالموافقة السامية من قبل جلالة السلطان المعظم.

ويقام المشروع على مساحة إجمالية تبلغ 400 ألف متر مربع بمنطقة مرتفعات المطار. وبتكلفة إجمالية مبدئية تبلغ 45 مليون ريال.

وقال سمو وزير التراث والثقافة: (إن مجمع عمان الثقافي سوف يتكون من مبنى لهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية والمسرح الوطني والمكتبة الوطنية ومكتبة للطفل ومقر للمنتدى الأدبي ودور للسينما ومعهد للفنون ومكاتب لإدارة المجمع).

وأضاف سموه: أن المجمع الثقافي ينتظر له أن يؤالف بين مختلف مفردات الثقافة.

وأشار سموه إلى أن أعمال التصميم سوف تستمر لمدة 18 شهرا على أن تطرح مناقصة التنفيذ في مطلع عام 2011.

وأبدى الوسط الثقافي في السلطنة أمس فرحة وسعادة بمناسبة بدء تحقيق الحلم الذي طال انتظاره خلال السنوات الماضية. معربين عن شكرهم لجلالة السلطان المعظم على المشروع معتبرين أن المشروع تتويج للعمل الثقافي في السلطنة.

وقال سعادة الشيخ حمد بن هلال المعمري وكيل وزارة التراث والثقافة للشؤون الثقافية: إن المشروع سيلبي احتياجات جميع المثقفين في السلطنة لأنه يضم مرافق متكاملة لمختلف مفردات الثقافة.

واستعرض سعادته مع الصحفيين الذين حضروا التوقيع صوراً لمجسم المشروع مؤكدا أن التصاميم لم تبتعد عن مفردات المعمار العماني رغم الطابع العالمي الذي طغى على المشروع.

ويتكون المشروع من مكتبة وطنية ضخمة ومسرحين كبيرين وصالات لعروض السينما، كما يلحق بالمجمع مبنى المنتدى الأدبي، إضافة إلى معهد للفنون، وحديقة عامة أمام مبنى المجمع.

وبدا من خلال صور التصاميم أن المبنى سيكون علامة فارقة في تصاميم المجمعات الثقافية في المنطقة.

وكانت فكرة المشروع قد بدأت منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي إلا أن الفكرة لم تتبلور على الواقع وظل المشروع حلم جميع المثقفين حتى جاءت المباركة السامية لتصاميم المشروع والتي تتجه سريعا إلى التحقق على أرض الواقع.

حضر حفل التوقيع سعادة الشيخ حمد بن هلال المعمري وكيل وزارة التراث والثقافة للشؤون الثقافية وسعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات وعدد من المسؤولين بوزارة التراث والثقافة."


أحمد الفلاحي : أخيرا .. تحقق الحلم

قال الأديب أحمد الفلاحي في أعقاب سماعه خبر توقيع الخدمات الاستشارية لتصميم مجمع عمان الثقافي: (نريد أن نجدد الشكر لصاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم في هذه المناسبة الجميلة وهذا الشكر سبق أن قلناه في وقتها قبل ثلاثين سنة عندما أطلق الحلم الذي يعد علامة بارزة في سماء الثقافة في السلطنة.

وصاحب الجلالة كان يؤكد على الدوام أهمية وجود مجمع ثقافي في السلطنة. واليوم نؤكد فرحتنا وسرورنا أن بدأ الحلم يتحقق بعد ثلاثين سنة من الترقب والانتظار.

وأضاف: لا أظن أن أي مثقف عماني إلا وفي نفسه فرحة بهذا الاتفاق ونأمل أن يكون هذا الإنجاز أو هذا الصرح على قدر الرؤية السامية لجلالة السلطان وعلى قدر الطموحات وقدر التوقعات وأن يتسع لطموحات المثقفين ونعني بالمثقفين هنا كل من له علاقة بالثقافي؛ ثقافة الكتابة أو الموسيقى أو المسرح أو السينما أو الفن التشكيلي أو ثقافة الموروث والمتاحف والمخطوطات والتراث بكل فئاته فهو مجمع ثقافي أو بوتقة من خلاله تشرق نجوم الثقافة على اختلاف صنوفها. ونحن نتأمل أن يكون المبنى معبرا عن كل هذه الأطر والجوانب. ولا شك أنه سيكون ملمحا بارزا من ملامح البناء إذا تجاوزنا الهدف منه.

وأضاف الفلاحي: نريد من هذا المبنى أن يكون حلقة كبيرة للثقافة بكل أطيافها وأيضا أتمنى على المسؤولين أن يكون هذا المبنى شراكة بين الوزارة المعنية والمثقف في السلطنة، لا بد من أخذ الرأي وأن تكون خططه آتية وذاهبة بين الوزارة والمثقف العماني.

ويختتم الفلاحي حديثه بالقول: لسنا الوحيدين في العرب والعالم لا بد أن نستفيد من المجمعات الموجودة في العالم ننطلق من حيث انتهى الآخرون. مؤكدا بقوة على أهمية أن يكون المبنى مستمدا من ملامح المعمار العماني الأصيل، خاصة وأن المنظمات العالمية مثل اليونسكو بدأت تخلد التراث المعماري العماني وتعتبره ضمن التراث العالمي الخالد.





سيف الرحبي : بؤرة إشعاع ثقافي

ومع سماعه خبر المجمع قال الشاعر سيف الرحبي: في مثل هذا الحدث لا يسع المرء وخاصة حين يكون مهتما وعاملا في الحقل الثقافي إلا أن يستبشر خيرا، ويتمنى لهذا الإطار الثقافي أن يكون حاضناً لجميع الفعاليات والمنابر والاتجاهات الإبداعية والفنية والفكرية على اختلاف مشاربها واتجاهاتها، وأن يكون البؤرة التي من خلالها يتفرع الإشعاع الثقافي ويضيء جوانب كثيرة على المستوى الداخلي والخارجي.

ويضيف الرحبي: هذا الحدث على ما أظن تأخر قليلا فهناك محاولات لإنشائه منذ فترة لكن ربما هذا التأخير الذي حصل يعوض عنه لانطلاقة تحمل رمزية وواقعا أكثر من ذي قبل، ونحو أفق أكثر رحابة وانفتاحا تعبيري ثقافي وديمقراطي لا يلغي أحدا، ولا يبخس إبداعا أو رأيا مهما كان اختلافه طالما يكون تحت سقف القانون والمبادئ الجوهرية للمجتمع العماني بتأريخه العريق، فعمان في هذا السياق هي السباقة على غيرها في المنطقة وهي التي ورثت عبر أجيال معرفية متعاقبة إنجازات فكرية وإبداعية كانت بمثابة البؤرة الإشعاعية والرافد المهم في نهر الثقافة العربية الكبير. وجدير بها على صعيد اللحظة الثقافية الراهنة أن تكون لها منبرا ومكانا بحجم تاريخها وإبداعها الكبيرين.

وفي سياق الحديث عن الجوانب الثقافية قال الشاعر سيف الرحبي: في هذا السياق البناء الثقافي المتعدد الأوجه يطال العتب القطاع الخاص الذي لا أراه مبادرا على الإطلاق أي دعم ثقافي على الأصعدة المتعددة لهذا الدعم أو التفكير في هذا المنحى فعدم وجود مكتبات أساسية تعود مسؤولياتها إلى القطاع الخاص أو تأتي بمبادرات منه أمر يثير الكثير من الاستغراب.

مشيرا إلى أنه بإمكان القطاع الخاص أن يقوم بمبادرات أساسية ومهمة في هذا الاتجاه كما نشاهد في بلدان كثيرة في إنشاء مراكز ثقافية ومكتبات وجوائز الأمر الذي يشكل رافدا قويا للوضع الثقافي في السلطنة بكل تجلياته.

--------------------------------------------------------------------------------

نتمنى ان يتحقق هذا المشروع كما هو مخطط له وعسى ان تكون هناك رؤى أخرى قد تساهم في  إبرازه بصورة لائقة بمكانة عمان وتاريخها الثقافي المشرق، لا شك ان مثل هذه المشاريع ستشكل نقلة نوعية في العطاء الثقافي على الصعيد المؤسساتي، لا شك ان اللحمة الاساسية لنجاح هذا المشروع وتطوره هو العلاقة التبادلية المثمرة بين المثقفين والمؤسسة الثقافية، هذه العلاقة لا بد لها من اتفاق واضح ومبني على أسس سليمة فهذا الصرح لا يراد ان يكون إضافة أخرى للمباني الحديثة بل ان يكون بوتقة حقيقية لفعل ثقافي خلاق واصيل. كما اتمنى ان يتم تسليط الضوء على هذا المشروع وشرح أهدافه والاستفادة الحقيقية من الاراء والمناقشات التي في النهاية بدون شك ستسهم في الارتقاء بكل ما هو حيوي ومثمر في الثقافة والإبداع العمانيين.



ألف مبروك للجميع






Tuesday, November 3, 2009

مخطوطة زاد الفقير









قراءة في زاد الفقير وجبر الكسير






لراشد بن خلف بن محمد بن عبدالله بن هاشم العيني الرستاقي ( ق10هـ)



مازالت تأتيني من البعيد تلك المقولة حيث كنا في نقاش حول الثقافة في أخريات النصف الثاني من تسعينيات القرن المنصرم، كنا نتناقش مع أحد الأساتذة الوافدين من كنا نسميه صاحب تجربة كتابية وفكرية متقدمة زمنيا عنا في تلك الفترة، عندما أتى حديثي على تحقيق المخطوطات وأهميته في الثقافة العربية قال ما نصه: التحقيق لا يدخل ضمن الثقافة أو العمل الثقافي التقدمي والطليعي، إنما هو عمل هامشي ولا جدوى منه وتسطيع قراءة التراث دون الحاجة للتحقيق، وكرت الأيام ووجدتني في حديث مع من كان له بعض الإسهامات في نشر المخطوطات العمانية، حين كنت أشير إلى أنه يمكن إضافة الكثير إلى الكتب التي أُشير إلى أنها محققة من خلال قيام المحقق بتزويد الكتاب بمقدمة علمية ونقدية رصينة تشكل دعامة أساسية لفهم العمل المحقق برمته، لكنه أجابني بأن مهمة المحقق هي تصحيح النص وإخراجه فالمحقق ليس ناقدا، إنما المحقق يتخلى عن هذا الدور للناقد، ليجد الناقد عملا له من وراء هذا النص، أقول أجدني الان في حل من تينك المقولتين اللتين لا تعطيان العمل المخطوط حقه في النظر والتمعن، وفي هذه المقالة التي لا يدعي كاتبها أن له اليد الطولى في التحقيق ، هنا محاولة للاطلالة على محتويات الكتاب ونقل المتعة التي رافقتني اثناء تصفحه وطرح الهواجس التي راودتني بعد إدراك القيمة العلمية والفكرية لهذا السِفر المهم في مسيرة الثقافة العمانية .

يعد التراث العلمي العماني في حكم المغيب عن دائرة الاهتمام، هذه الدائرة وإن أوهمتنا باتساعها إلا أنها يشوبها من النقص والتعثر الكثير إذا قارنا بذلك الجهد المبذول في الحقل الفقهي والتاريخي والأدبي على وجه الخصوص،، إلا أن ذلك يدعونا إلى الالتفات بشكل فاحص ودقيق في قراءة ما هو متاح ومتوفر وذلك إشكال آخر من إشكالات دراسة ونشر التراث العماني المخطوط، نقول قراءة في مخطوط، ولو كانت في كتاب مطبوع لكان مقبولا ولكانت القراءة هينة، ذلك لأنها تعتمد على مخطوطة واحدة فقط في ظل غياب المخطوطات الأخرى التي قد تحمل – ربما- اكتمالا ووضوحا أكثر منها.

لربما عندما نتحدث عن كتاب طبي تراثي يثير الاستغراب ( ما الذي سيضيفه تحقيق أو قراءة كتاب يحمل هكذا معرفة وبطريقة تأليف قديمة؟) إذ أن الجميع يدرك التطور الهائل والمستمر لهذا الحقل المعرفي والإنساني المهم، زيادة على ذلك الأسلوب الموسوعي الذي يسم اغلب المؤلفات العربية القديمة و الذي يعتبره الكثيرون وسيلة لتنفير القارئ الذي يريد الحصول على المعلومة بسرعة ودقة وذلك من حقه في كثير من الأحيان، وإذا نظرنا للموسوعية بمنظور أكثر إيجابية وخاصة في( مخطوطة زاد الفقير) نجدها تساعدنا في قراءتها بسهولة ويسر، حيث نجد حضورا للتجربة الشخصية والمعلومات التاريخية واللغويات والفلك والوصفات والاعشاب والصيدلة وغير ذلك الكثير.

* المقدمة:

( الحمد لله الذي خلق الانسان من صلصال كالفخار، وخلق الجان من مارج من نار، وجعل لهم السمع والافيدة [ الافئدة] والابصار، ليعرفوا ماهو نافع، وما هو ضار، وأودع حكمته في اسرار الحيوانات والاحجار، وانزل الطب بلطفه في طبايع الاشجار، فاول ما ايتداء[ابتدأ] الخلق ادار الفلك الدوار، فتولد من ذلك اربعة عناصر واولها النار، واطلع على معرفة ذلك الحكماء الابرار، فاودعوه في الدفاتر والآثار، وصلى الله على رسوله محمد ما انسلخ ليل من نهار، وماجرى الفلك الدوار ودار، وما تنفس مخلوق ولم يكن لنفسه قرار إلى انقضا حال الاعمار.

وبعد فان العلوم المعتمد عليها ثلاثة، علم الابدان، وعلم الاديان، وعلم اللسان، ولا يتوصل إلى معرفتها الا بتقويم الابدان، ولان العقل هو المميز لها وجامعها وهو في البدن، فمتى تغير البدن بشيء من الافات لم يتوصل الانسان إلى علم الاديان، ولا إلى تقويم اللسان، فيجب اولا ان يقوم الانسان بدنه، ولم يعرضه للهلاك، ويقيه من كل آفة ليصح عقله ويقدر على تقويم دينه فيصلح دنياه وآخرته فبهذا يجب أن يكون علم الطب اولى من كل علم الا ترى ان الاديان تسقط عند ابتلاء الابدان، ويذهب التكليف بذهاب العقل وهو نور متصل من القلب إلى الدماغ، فمتى تغير احدهما تغير العقل والله اعلم.

قال مؤلف الكتاب الفقير إلى ربه القدير راشد بن خلف بن محمد بن عبدالله بن هاشم القري ، اني نظرت في كثير من كتب اهل عمان فوقفت على علم الاحكام والاديان ونظم في علم اللسان، ولم اقف على نظم لهم في علم الابدان فدعتني الرغبة إلى أن انظم مختصرا من مختصر الرحمة في الطب والحكمة وحذفت بعض الابواب من اول الكتاب واشرت إلى بعضها اشارة وادخلت من مختصر بقراط الحكيم وشيا [ شيئا] من منهاج البيان عنه ايضا وغير ذلك فمن وقف على ما نظمته فليسد العيب ان رأى خللا او زللا وله من افضل جزا وما حذفت بعض الابواب واسانيد الكتاب الا لقصر باعي، واشتغال طباعي، وامحال المراعي، لا ني قلت ذلك والزمان قد القى على اهله جرانه واشعل في قلوبهم نيرانه، والحرب بين اهل الرساتيق ساطعة واهل المظالم لسبل الله قاطعة، لكن يطفي الله نيران الحروب، ويومن الخايف من جميع الدروب ان الله على كل شيء قدير، هو حسبي عليه توكلت واليه انيب) المقدمة ص 26


                                                 (الصفحة الثانية من المخطوط)

* التكوين العلمي:

- كان لابن عم والده الشيخ خلف بن هاشم بن عبدالله بن هاشم منظومة استدرك بها على مثلثة قطرب( الاتحاف 2/192) مما يدل أن لهذه الاسرة اتصال بالمعارف التي كانت متوافرة في تلك الفترة فاللغة قد حظيت بعناية كبيرة عند العمانيين على اختلاف اشتغالاتهم المعرفية قديما بشكل عام وحظيت في هذا الشرح بعناية حاصة كما ستتم الاشارة إليه في هذه الورقة.

- يشير المؤلف في شرح البيت الاتي:

وقد قال نصر الله في الجرح داوه

بجزءين توتى العين بالسحق يسحلا

نصر الله رجل أعجمي من هرموز وهو نصر الله بن حاجي بن محمد بن حسن بن مزار قتل في دولة محمد بن إسماعيل في وادي السحتن بقرية المبوا أخذ عنه هذه الصفة ومن المعلوم أن نصب الامام محمد بن إسماعيل سنة ست وتسعمائة وتوفي سنة اثنتين وأربعين( الاتحاف 2/155)

- من أشياخه العلامة محمد بن مداد المتوفى سنة 917هـ ويشير راشد أثناء شرحه للابيات الاتية :

ويشرب بول الابل والرسل للوبا

واما ابن مداد فقد قال فيه لا



ويقول: وقد عرضت هذه المسلة ( المسألة) على الشيخ محمد بن عبدالله بن مداد النزوى ببلد فرق فقال لا يجوز ذلك وليست الرواية صحيحة والله أعلم ( المخطوط 75)

وفي شرح البيت التالي:

تصح روايات الرسول حفظتها

بفرق شفاها عنه في جملة الملا

ففي هذا البيت يشير إلى تتلمذه على يد الشيخ المداد مباشرة في فرق والتي يصفها بأنها " بلد معروف سهيلي" ( المخطوط 75) وفي ص 76 من المخطوط يشير إلى أنه أخذ هذه المسألة سنة 910هـ أي قبل وفاة الشيخ الذي توفي سنة 917هـ



- تكثر في الكتاب الاشارات إلى والده بصيغ عدة "وقد سألت والدي" " أو قد سمعت والدي" مما يعني أن لوالده دورا فكريا في تكوينه المعرفي.

 * مكان وزمان نظم القصيدة:





• ( ففي بلد الرستاق عيني نظمتها

فلا عدمت غيثا ولا الربع امحلا

وفي خدمة السلطان من آل يعرب

محمد ذي المجد الشريف وذي العلا

الفا للاستيناف والرستاق هو رستاق عمان وعيني قرية من قراه وهي التي بها فلج الحمام الحار غربي قلعة قصرا ومسكنه منها بالمحلة المعروفة بصنعا ودعا لها بالمطر لا نه قد قال القصيدة على اثر المحل وإن كانت هي ليست من القرى التي تمحل فقد وقع المحل في الرستاق قبل قوله هذا بخمسة عشر سنة ( 919هـ) إلى أن نقص الحمام مقدار ثلث عن زمان الخصب والميسر نقص منه اكثر من غيزه ومات من قرية سوني كثير من الاموال وابو ثعلب نقص منه البعض فلم ينقص من سقيه والطاغي مات وكذلك عين الحلة والمقام وفلج مناقي ولم يبق فيهن شيء من الماء اما فلج المدري فلم ينقص عن سقيه ونقصانه كالحمام والمحدث بقرية الغشب نقص ولم يمت وسقى بعض الاموال .

لعشرين عاما ثم اربع عشرة

وتسع مائين في جمادى تسهلا

والهجرة معروفة أي قد تم نظمه في سنة اربع وثلاثين وتسعمائة سنة وذلك لان العشرين مع اربعة عشر وثلاثون يوما، وذلك في جمادى ولم يذكر الاولى من الاخرة لانه إذا باع الرجل إلى شهر رمضان او غيره فيكون إلى الشهر الذي يليه من ذلك فيكون نظمه في جمادى الاولى اذ لم يسم ايهما وتسهل تيسر) ص123



 * صناعة الصابون:


( فان كنت ذا جسم صحيح ولم تكن        سقيما فلا تشرب دواء مسهلا

يقول فان كنت صحيح الجسم فلا تستعمل المسهلات والاستفراغات لان مثلها في البدن كمثل الصابون للثوب اذا كثر استعماله اتلفه وابلاه سريعا واكثر المسهلات سمية قاتلة والواجب ان يستعمله منها قدرا يسيرا عند الحاجة إليها والله اعلم.

فاكثاره يبلي الجسوم كمثل ما

بصابونة يبلي المغسل لِلمُلا

الجسم جمع جسوم ، قال:

واجسم من عاد جسوم رجالها

واكثر ان عد واعديدا من الرمل

والجسم في عرف المتكلمين هو الطويل العريض المولف، واختلفوا في اقل الاجسام فقيل هو المولف من ستة وقيل هو المولف من اربعة وقيل من جزوين، والصابون هو ما يغسل به الثياب فطبعه حار محرق قوي الجلا وماوه الذي يصفوا منه قاتل يداوى بالقي بالماء الحار والشيرج ثم يسقى مرق الدجاج ودهن اللوز، وصنعته ان يؤخذ لكل عشرة ارطال من الدهن مكوك قلى من القلى الجيد الحار ونصف مكوك نوره جيدة بيضا فيخلط القلى والنورة ويرش عليهما ماء وليكن للحوض من موضع يرشح منه ذلك الماء فاذا انصب عليه الماء عزله على حدة ويجعل عليه ماء ثان وفعل به كذلك ثم ماء ثالث ورابع وعلى ذلك إلى أن يداف ذلك الماء فلا يوجد له حدة ثم يوخذ الماء الاخير الذي خرج عنه وهو اقل المياه حدة فيجعل مع الدهن على القدر في النار ويغلى بنار معتدلة ويحرك حتى يختلط الماء ويذهب اكثره ثم يجعل عليه الماء المتقدم على ذلك الماء ويفعل به كذلك ثم يجعل عليه الماء الذي قبله ثم يغرق في شيء الى جانب القدر ويخلط به ما[ ماء] كثير ويترك ليبرد ثم يرش عليه من ما[ماء] القلى والنورة المعتدلة في الحدة الذي لا يكون من الماء الاول بل من الثالث والرابع ثم يحرك فانه يرسب الماء ويعلو الدهن فيفتح للماء من اسفل الظرف الذي يبرد فيه حتى يخرج الماء ويعاود العمل كذلك مرارا حتى يصير كالعجين ثم يغرف ويعمل كالقوالب والله اعلم) ص111-112.


* الورقة غير مكتملة وليست في صيغتها النهائية والمعدلة إذ أن النسخة المعدلة غير موجودة لدي حاليا.




Friday, October 30, 2009

من الضحية القادمة بعد حمود الشكيلي؟




هكذا هو حال الأدب في عمان إما ان يكون تحت الرقابة السياسية والمتمثلة في الدولة او الرقابة الدينية او الرقابة المجتمعية
لم يكد المتتبع للأدب العماني ان يفرح بما تحقق من إنجازات أدبية على صعيد القصة والرواية حتى تدهمنا أحداث المحاكمات التي يقع تحت طائلتها عدد من الادباء العمانيين الذين ساهموا ومازالوا يساهمون بكل جهودهم لخدمة الادب وتطويره والانتقال به من طور إلى آخر عبر مجهودات شخصية نابعة من صميم رغبتهم في خلق أفق اجمل للادب العماني
لقد شكلت الرقابتين السياسية والدينية في السابق قلقا كبيرا لعدد من الادباء العمانيين لدرجة ان البعض منهم ناله ما نال من التكفير والتشهير وعلى رؤوس الاشهاد في المساجد وغيرها، ولكن الاغرب هذه المرة هو دخول الرقابة المجتمعية في الامر وليس أدل على ذلك تلك المحاكمات التي لحقت بالقاصين يحيى سلام المنذري وسعيد الحاتمي وبدرية الوهيبي والان دور الصديق حمود الشكيلي، ولو سلمنا جدلا ان ذلك مؤشر جيد على وعي المجتمع بأن هناك طرقا للتحاكم والتقاضي عبر النظام القضائي الجديد في السلطنة ، ألا ان الامر لا يدعنا نميل إلى أصحاب تلك القضايا او بعضها على الاقل هم من صادف وقرأ ما يحسبونه انه إهانة او تشهير، اقول لو سلمنا جدلا ولكن الامر من ناحية أخرى يجعلنا ننتبه إلى ان بعض القراء ليس الهدف من قراءتهم التمتع بالادب بل هو العكس التصيد والتربص ، هناك من يستهويهم الصيد في الماء العكر وبما تكون أهدافهم غير معلنة بالضرورة
في الوقت الذي استطاعت فيه القصة العمانية القصيرة ان تقدم نفسها كفن إبداعي أصيل ، وبعد ان خرجت القصة من نفق التهويمات اللغوية وغيرها من الاتهامات التي كانت تنصب على الكتاب الذين يكتبون ما لا يفهم، عند انتقال الكتاب للكتابة وتطويرها يتفاجاون ان هناك من يتربص بهم بجانب الرقابتين الدينية والسياسية هناك الرقابة المجتمعية التي لا ترحم، مثل هذه الحساسيات من قبل المجتمع لا يمكن التبؤ بمدة زوالها ومتى المجتمع سيصل إلى مرحلة اكثر تسامحا وانفتاحا في التعاطي مع الادب
لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف ان يحاصر الاديب بكا هذه الرقابات ويطلب من ان يعطي إبداعا جيدا، ثم ان التعاطي مع الابداع المكتوب لا ينبغي ان يفهم منه مقاصد بعيدة كالتشهير وغيرها، فالادب يتحدث او يشير غلى الواقع ولكنه لايعني ان يقرأ هو الواقع بعينه، وإلا كان الحال ان يتم مسائلة جميع الكتاب العمانيين وسيتم إحالة وتفسير كل ما كتب وفق أهداف واهواء من يصطادون في الماء العكر
هل سيكتب الاديب العمانين ارقاما بدلا من اسماء ابطاله؟ لا بد ان يكتب اسماء عمانية او على الاقل متداولة ويتحدث على ملامح اشخاص واماكن عمانية ، ليس بالضرورة والالزام ان يتم ذلك ولكن الاديب يعبر عن في كتاباته عن المكان الذي يعيش فيه وإلا تم اتهام الادباء بانهم يكتبون عن عوالم غامضة، وذلك ليس في صالح الكتابة والابداع على الاطلاق
كما انه لا يعني ذلك ان من رفعوا القضية ضد حمود الشكيلي هم على خطأ فالقانون يعطيهم الحق في التقاضي، ما يهمني أكثر هو ان يتم تطوير وتعديل القوانين التي تتعلق بمثل هذه القضايا ، وان تراعي تلك القوانين والمحاكمات ان التعامل مع الادب ليس سهلا كما يتم التعامل مع بقية القضايا.
الاديب لا يمكن ان يبدع في ظل ظروف الرقابات التي تسلط عليه وتحاصره ثم ان الاديب لا يمكنه تجاهل البعد الاجتماعي لما يكتبه، فمن الظلم ان نطالب الاديب ان يراعي كل صغيرة وكبيرة في كتاباته ففي هذه الحالة الاديب لن يكتب إبداعا بل شيئا ىخر غيره، ثم انه من المهم ان نعطي الاديب المجال لتقدير ما يراه مناسبا للحساسيات الاجتماعية وهذا التقدير لا يمكن ان يفرض على الاديب بل شأن خاص بالاديب وعالمه الابداعي
عزيزي حمود نحن معك في قضيتك هذه ونتمنى ان تاخذ العدالة مجراه وان تنجلي الغيمة ويأخذ كل ذي حق حقه، مازال هناك الكثير لتكتبه وتكتب عنه ونحن نثق في القضاء وفي كفاءة المحامي الذي تولى الدفاع عنك، وعسى ان نراك قريبا مبدعا نشطا ونقدا واعدا تخدم الابداع والادب العمانيين بكل إخلاص وصدق كما عهدناك دائما


رؤية عن الوضع اللغوي في عمان 3/3


بعيدا عن الاحاديث الدائرة على مستوى عالمي عن الحقوق اللغوية للاقليات العرقية في بعض المناطق في العالم، التهديد الخطير الذي يتهدد الكثير من اللهجات واللغات التي تشير التقارير إلى انها ستنقرض في المستقبل، او الطروحات التي تتحدث عن التهديد الذي اضحت تشكله الانجليزية للكثير من لغات العالم في العصر الحديث والدور ما بعد الاستعماري للانجليزية او الفرنسية او الاسبانية. لا اقول ان الوضع اللغوي في عمان مماثل لما هو حاصل في بقية المناطق في العالم ولكن من المهم اخذ ذلك في الحسبان. على الصعيد العربي هناك صراع لهجات على المستوى الاعلامي ليس بخاف على احد، لا اعتقد ان الوضع اللغوي في عمان في منأى عن تأثيراته وتجاذباته، على مستوى دول الخليج الامر ذاته، وعلى مستوى مناطقي نحن اكثر تأثرا بما يحصل حولنا وهذا واضح على الاقل لاول وهلة. في عمان نجد ان الخسارة على المستوى التعليمي للطالب هو الضعف التحصيلي على مستوى اللغة العربية. هناك الكثير من الانتقادات الموجهة للقنوات لبعض القنوات الاذاعية العمانية، الانتقادات على مستوى اللهجة موجهة لبعض المسلسلات الدرامية العمانية. الانتقادات تنسحب على المستوى اللغوي لما يكتب في الصحافة الرسمية وغيرها. كل هذه التجاذبات والتأثيرات والقضايا على مستوى عالمي وعربي واقليمي ومحلي لا يجب الاستهانة بها فهي حقائق لغوية في غاية الاهمية وإهمالها يشكل خطورة كبيرة على المدى البعيد لمستقبل التواصل في أي بقعة من الارض واي بقعة لا يمكن ان تعيش في معزل عن كل هذه التجاذبات اللغوية. فكلما مر وقت دون التحرك في دراسة اللهجات العمانية وتوثيقها وفهما كلما دخلنا في نفق من المتاهات لا ندري إلى أين سيأخذنا وتأخذنا متاهاته. فوتيرة التواصل والتأثير والتأثر تصبح اكثر حدة ونحن في النهاية سنخسر الكثير من لهجاتنا وتراثنا الشفهي والثراء اللغوي والذي يشكل ركنا مهمنا في اللحمة الوطنية للمجتمع العماني، دراسة اللهجات واللغات في عمان ليس حنينا للماضي او التغني الشكلي الاستعراضي للهوية العمانية إنما مفتاحا مهما وفاعلا لفهم الكثير من التفاعلات والرؤى والافاق التي تحملها تلك اللغات واللهجات عبر متحدثيها. دراسة اللهجات توفر الكثير من وسائل الفهم للمخطط الاستراتيجي او المخطط للتنمية البشرية فملف اللغة وقضيتها لا يجب ان يغيب عن بال المخططين سواء في المجال التربوي او الاعلامي او الثقافي ، فما دامت البنى العمرانية قد استقرت فلا بد من فهم للبنى الذهنية واللغوية للانسان العماني في العصر الحديث. دراسة البنى اللغوية لمتحدثي اللهجات واللغات في عمان يتيح المجال بشكل أوسع لتحول فكري في المستقبل. فخريج درجة الدبلوم العام ان تخرج بدون اتقان للعربية او ان يتقن الانجليزية دون العربية، او ان يتقن اللهجة بدون ملكة لغوية في العربية او الانجليزية ليشكل حجر عثرة لخطط الموازنة التي اتبعتها الحكومة بين الاصالة والمعاصرة. مع العلم ان مفهوم الاصالة والمعاصرة بحاجة لفهم دقيق من المنظور اللغوي والفكري على ارض الواقع وليس على مستوى الخطاب السياسي والاعلامي. الاجيال الجديدة التي هي الان في المدارس ما هو المستقبل اللغوي الذي ستقابله او ستصنعه ، الاجيال الجديدة التي الان تعيش في فوضى لغوية غاية في الخطورة ليس من السهل استكناه ما ستؤول إليه الامور ، هذه الفوضى التي لا أنها ستضر بالتواصل اللغوي والاجتماعي بين العديد من الاطراف في المجتمع العماني.


*********************

بعد الختام:

يأتي الطبيب الغير عماني إلى عمان فيتفاجا بمصطلحات غربية عجيبة للامراض مثل اللية او ساعور، كم استغرب عندما اسمع هذه الكلمات تنطق من افواه هؤلاء الأطباء الذين عاشوا فترة طويلة في عمان، مكنتهم التجارب والممارسات من فهما أخيرا، كان من الممكن تزويد الاطباء الجدد القادمين إلى عمان بمثل هذه المصطلحات لفهمها وفهم نطقها بدلا من الحيرة التي تصيبهم في اول امرها عندما يحتكون بالواقع الجديد.


Tuesday, October 20, 2009

هل الطائر يغني؟ وما تراه يقول؟

كل طيريسبح بلغوه
هذه العبارة كثيرا ما طرقت أذني،هذه المقولة تطلق على الطفل عندما يبدا مراحله الاولى في التصويت، والتصويت هنا المقصود به هو إنتاج الاصوات الغير مفهومه والتي تكون غير ذات دلاله لاذان البشر البالغين، ولكن بالنسبة للطفل هي البدء في التعبير عن نفسه وتجريب ردات فعله تجاه ما يسمعه من اصوات في العائله.
هذا الغراب فعلا عجيب بصوته وقتامة لونه بعد وصولي إلى استراليا في19 يوليو 2007 وبعد ان نمت اول ليلة لي استيقظت مبكرا وانا انتفض من البرد، برغم ان المدفأة كانت تعمل جاهدة لتدفئة الغرفة إلا ان اصابع البرد كانت تسسلل بخفة وبراعة لتنهش في جسدي القادم من وهج الظهائر في عمان، تفاجات بالاصوات الغريبة في الخارج، فقلت وانا مازلت في السرير ربما اكون قد نزلت في مكان قريب من مرعى للماشية فهذه الاصوات تشبه ثغاء الشياه او مما هو قريب، بكسل وانا مشتمل بالبطانية قمت من سريري، أزحت الستارة قليلا ولكن الضباب في الخارج يحجب رؤية هذا الكائن صاحب الصوت الغريب بتثاقل نفضت عني كسل النوم وقمت متجها لبدء طقوس يوم جديد في الارض الجديدة، انهيت كل الطقوس التي ينبغي انهائها لبدء اليوم وبرغم ان ذلك اليوم كان يوم السبت بعد ان انهيت الفطور فتحت باب البيت لارى هذا الكائن الغريب ، كانت الباحة القريبة من البيت قد تركت فارغة يغيطها العشب وتحرسها ظلال اشجار اليكولابتوس او الذي نسميه في عمان الكافور،الباحة وغيرها من الباحات التي تترك فارغة بدون انشاءات سكنية بها تكون متنفسا لسكان كل شارع بحيث تتمكن العوائل من ملاعبت اطفالهم والتريض فيها متى ما ناسبهم الوقت وغالبا ما تزود هذه الباحات بأدوات لعب للاطفال كالاراجيح ومنصات التزحلق وغيرها، كانت الباحة مليئة باشكال مختلفة من الطيور من غربان وببغاوات مختلفة الالوان والهداهد، وبرغم البرودة دفعني الفضول للمشي اكثر حول الباحة فتبينت ان الصوت يصدر من هذا الغراب، فتذكرت ان ليس لي حاجة بالغراب الان في هذا الصباح الباكر ، فليس ثمة من سوءة لاواريها إنما احتاج إلى هديل حمامة في الظهيرة لابثها وجدا بوجد، وكان جرح الغربة مازال طريا واذناي مليئتان بضجيج المطارات ، اكمل دورة المشي القصيرة في الشارع الذي اسكن ولكن مازال في رأسي رنين صوت هذا الطائر الذي لم اكن ادري هل كان يغني ام انه كان ينشد مرثية طويلة . يطلق على هذا الطائر اسم (raven) وهو طائر كبير من عائلة الغربان له ريش اسود لامع وصوت خشن منفر اقرب للبكاء. والتعريف مأخوذ من:
Oxford Advanced Learner's Dictionary. 7th edition .2005.Oxford University Press.

Sunday, October 18, 2009

مقال يستحق أن نتأمله

 تغييب العلوم الإنسانية وغياب القيم والأخلاق



د. نافلة بنت سعود الخروصية






«البعض منا استسلم تماما للموجة الطاغية من الغثائية وعدم الاكتراث بمستوى الجودة والاتقان في كل شيء، أو خنع أمام ثقافة الإفلاس الفكري، كل هذا تحت دواعي الوصولية.. نحن بحاجة إلى أن ننفض عن أنفسنا الغبار الذي علق بنا جراء حالة الركود التي باتت تهدد قيمنا بالتفسخ والضعف، القيم التي سرعان ما نتباكى عليها في طموحاتنا الطفولية وآمالنا العبثية في الوصول إلى مواقع التأثير. إننا بحاجة إلى أن ندرك ونعترف بأخطائنا لكي نعمل على إصلاحها».


إن الأزمة الاقتصادية الراهنة هي أزمة أخلاق وقيم بامتياز، إذ لم يكن السبب الذي حال دون قدرة تنبؤ الخبراء الاقتصاديين بالأزمة الاقتصادية الراهنة هو عدم دقة القوانين الرياضية والنماذج الحسابية التي يعتمدون عليها، ولكن السبب في الحقيقة هو أن هؤلاء الخبراء قد تجاهلوا الطبيعة الإنسانية. وكما يقول البروفيسور جيفري جالت هارفام مدير المركز الوطني للعلوم الإنسانية في الولايات المتحدة الأمريكية «إن هؤلاء الخبراء قد أغفلوا الخصائص الإنسانية المحضة في سلوك الدائنين والمدينين والمحللين والمساهمين والتجار الذين تتحكم فيهم افتراضاتهم اللاشعورية في الغالب واللاعقلانية في بعض الأحيان، بما في ذلك نزعة التطلع إلى القبول الاجتماعي، حتى وهم غارقون في نشوة الثقة بقدراتهم التحليلية وبعقلانية وكفاءة السوق». لقد كانوا باختصار يفتقرون إلى المعرفة التنويرية التي تمنحها العلوم الإنسانية، تلك المعرفة التي تضمن لنا «استخلاص طرق التفكير البنّاءة وتطبيقها بشكل فاعل بما يمكننا من الإبحار في أعماق عوالمنا التي نعيش فيها». إن العلوم الإنسانية هي المصدر الأخلاقي الذي يكفل لنا القدرة على استشعار طبيعة الفساد الخفية وسبر أوكاره، ويساعدنا على الحد من تغلغله داخل نسيج المجتمع.


بالرغم من النزعة العلمية لدى أتباع علم الاقتصاد وأنصاره، إلا أنه لا يمكننا بحال من الأحوال عزل هذا العلم عن مسائل الأخلاق، فالنجاح الاقتصادي يجب أن لا يكون هو المحصِّلة النهائية للتلاعب بالأسواق على حساب العدالة الاجتماعية، وإنما ينبغي أن يتأسس على اعتبارات أخلاقية وضرورات قيمية لا تتوفر إلا في منظومة العلوم الإنسانية. وكذلك الحال في مجال الطب، فإن القضايا الخلافية التي عادة ما تواجه الأطباء، لا يمكن التعامل معها إلا من خلال منظومة العلوم الإنسانية التي تمثل بالنسبة لهؤلاء الأطباء المعين الذي ينهلون منه روح الاستعداد والمقدرة على مواجهة تحديات المعضلات الأخلاقية واتخاذ القرارات الصائبة في الأمور التي تتعلق بالحياة والموت.


يجب أن لا نستسلم للمفهوم السائد القائل إنه ليس ثمة من يريد المعرفة من أجل المعرفة وأن الجامعة يجب أن تكون تذكرة الانتقال إلى ميدان العمل المهني، كما يجب أن نتعامل بحذر شديد مع إدارة الجامعات على أنها شركات تجارية جل همها ضمان استمرارية الدخل المادي الناتج عن براءات الاختراع والأنشطة الاستشارية، على حساب مهمة تنشئة جيل من المفكرين العظماء. وبالمثل فإنه من غير المعقول أن يصبح العائد المادي الذي يقاس بالمنفعة الصناعية أو التجارية هو المحرك الرئيسي للبحث العلمي، بل ينبغي أن يكون هناك توازن بين أغراض البحث العلمي من أجل المعرفة وتوسيع آفاقنا الثقافية، وبين البحث العلمي في العلوم الطبيعية للأغراض التجارية، وأن ينظر إلى هذا التوازن في حد ذاته على أنه غاية نبيلة.


ولنكن نحن معشر الأكاديميين على حذر من أن تتلوث لغتنا بالمفردات الشائعة التي باتت تروج لها الشركات التجارية، بحيث أصبح الطالب في عرف هؤلاء مجرد مستهلك والمعرفة منتجا وسلعة، كما ينبغي علينا أن نحذر من أن نتبنى أو نتأثر بالطبيعة الجشعة لمديري التسويق ونزعتهم نحو تبرير وترويج ثقافة تضخيم قيمة المنتَج.


إن المعرفة المستقاة من العلوم الإنسانية بطبيعتها ليست مما يمكن للمستهلك أن يقيمه كما لو كان يتعامل مع سيارة أخرجها للتو من المصنع، بل إن الأمر مغاير تماما، فحسب الوصف الدقيق الذي يذكره البروفيسور ستانلي كاتز مدير مركز الدرسات الأدبية والسياسات الثقافية في كلية وودرو ولسون بجامعة برنستون الأمريكية فإن «العلوم الإنسانية تهتم بغرس القيم الفكرية وصقل القدرات الذهنية لضمان الإدراك العقلي للمعرفة والتحليل الناقد لها، أكثر من اهتمامها بحفظ وخزن كم محدود من المعلومات». إنها المعرفة التي يجلُّها الناس على مر الزمن، ويجسدها أولئك الذين كان جل همهم العمل من أجل التغيير الإيجابي في المجتمع، إنها المعرفة التي يتجلى لنا أثر غيابها حينما نرى أولئك الذين ينظرون إلى مواقعهم الوظيفية على أنها فرص سانحة لملئ خزائنهم التي لا تنفك تقول هل من مزيد، بدلا من أن ينظرون إليها على أنها فرص للوفاء بالتزاماتهم ومسؤولياتهم تجاه مجتمعاتهم.


ونتيجة للثقافة التجارية المستشرية في مجتمعاتنا اليوم ونتيجة للتأكيد المفرط على مفهوم التجريبية، فإن العلوم الإنسانية حسب ما يقوله البروفيسور ليون بوتشتاين عميد كلية بارد «قد تعرضت لنوع من الإهمال حينما نُظر إليها على أنها من كماليات الحياة، بدلا من النظر إليها على أنها أساس الحياة». ومع التآكل الذي أصاب العلوم الإنسانية نتيجة هذا الإهمال رأينا أناسا لا يعرفون القراءة والكتابة وغير قادرين على بلورة أفكارهم وصياغتها والتعبير عنها. لقد أصبح الإنترنت ملاذ أصحاب العقول العاجزة وبات الانتحال ركنهم الركين. لقد أصبحنا نرى شبابا يفتقرون إلى المعرفة المشتركة، المعرفة التي بدونها يصبح مفهوم التكافل والتضامن في المجتمع من قبيل الأوهام أو من قبيل المفاهيم المتلاشية على أحسن تقدير. أما المعرفة فقد اختزلت إلى مصطلحات تجارية وأصبحت تقاس بمقدار ما تقدمه من منافع مادية، وبذا باتت الدافعية للحصول على المعرفة مرتبطة بمثل هذه المفاهيم النفعية. لم يعد ينظر إلى قراءة روائع الأدب أو التاريخ أو الفلسفة على أنها تدريب للعقل على التفكير والتحليل وحل المشكلات، وأن أسلوب التفكير الناقد المستخلص من قراءة مثل هذه الروائع هو وسيلة للتنبؤ وحل مشكلات ليس بالإمكان حلها عن طريق أكثر النماذج العلمية دقة وتعقيدا. ونتج عن هذا الإهمال أن أصبح الطلاب لا يدركون أهمية هذه العلوم ودورها في حاضرنا ومستقبلنا، واللوم كل اللوم يقع علينا نحن المربين.


بالرغم أننا قد نتهامس في أروقتنا الهادئة داخل مؤسساتنا الأكاديمية، أو نُنكِّس رؤوسنا بصمت تعبيرا عن عدم الرضا، أو نتكلف الابتسامة الساخرة حول آخر استراتيجية تجارية تم غرسها في خاصرتنا، إلا أن الكثير منا تنقصهم الجرأة في الإفصاح عن الحالة التي وصل إليها النظام التعليمي في كثير من مجتمعاتنا. البعض منا استسلم تماما للموجة الطاغية من الغثائية وعدم الاكتراث بمستوى الجودة والاتقان في كل شيء، أو خنع أمام ثقافة الإفلاس الفكري، كل هذا تحت دواعي الوصولية. نحن بحاجة إلى أن ننفض عن أنفسنا الغبار الذي علق بنا جراء حالة الركود التي باتت تهدد قيمنا بالتفسخ والضعف، القيم التي سرعان ما نتباكى عليها في طموحاتنا الطفولية وآمالنا العبثية في الوصول إلى مواقع التأثير. إننا بحاجة إلى أن ندرك ونعترف بأخطائنا لكي نعمل على إصلاحها، لأن «جهلا نقرُّ ونعترف به خير من معرفة نتوهمها» كما يقول الخبير التربوي بوتشتاين.


إنني أدعو زملائي في الجامعات والمراكز الوطنية للعلوم الإنسانية إلى أن نتولى زمام المبادرة وأن نبدأ رحلة التغيير في مجتمعاتنا. إن الطريقة التي ندرِّس بها العلوم الإنسانية أهم بكثير من المحتوى الذي نُدرِّسه. يجب علينا أن نتحدى طلابنا لكي يجيبوا على أسئلة كيف؟ ولماذا؟ أكثر من التركيز على أسئلة كم؟ ومتى؟ ينبغي علينا أن نغرس فيهم قيم التفكير والتساؤل. نحن بحاجة ماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أن نقف سدا منيعا أمام الموجة العاتية من حالة الاستخفاف التي بدأت تعصف بشبابنا وإعادتهم إلى شواطئ المثالية والهمة العالية. يتوجب علينا أن نعيد تعريف النجاح لهم، وأن نؤكد على أنه ليس مرادفا للمحسوبية. إن المقررات التي تدرَّس في العلوم الإنسانية ينبغي أن لا تكون مجرد حفظ واجترار للأرقام والمعلومات، وإنما علينا أن نلهم طلابنا ونتحداهم في الوقت نفسه، كما ينبغي علينا أن نعمل على إخراجهم من حالة السبات الذي يعيشون فيه لكي يفكروا بأسلوب عقلاني وناقد بقضايا من مثل كيف أن الماضي قد شكل حاضرنا وكيف يمكن لحاضرنا أن يشكل مستقبلنا.


يجب أن لا يقتصر تدريس الأدب على قراءة القصائد الشعرية أو النصوص البلاغية والنثرية، بل ينبغي أن يكون وسيلة لتدريس التفكير الناقد والبنَّاء، وأداة لتعلم كيف نشارك الآخرين مشاعرهم، ووسيلة تساعدنا على تحدي مدركاتنا وتمكننا من التحرر من افتراضاتنا المستقرة في أذهاننا. يتحتم علينا أن نزود الطلاب بالمهارات اللازمة التي تمكنهم من الانخراط الإيجابي والفاعل في المجتمع المدني بما يكفل لهم القيام بمسؤولياتهم وواجباتهم المتمثلة في إسهامهم في الرقي بأنفسهم ومجتمعهم، فليس كافيا أن نعرف ما هي القوانين، وإنما أن نستشعر كيف تؤثر هذه القوانين في المجتمع، والآثار المترتبة على غياب مثل هذه القوانين.


إن إتقان اللغة والتمكن منها لا يعني فقط أن يكون الواحد منا خبيرا بمفرداتها وقواعدها النحوية والصرفية، أو أن يكون قادرا على نطق كلماتها منفردة بشكل سليم، وإنما يكون إتقان اللغة في استخدام تلك اللغة في مواقف حياتية حقيقية بغرض إحداث تغيير إيجابي في المجتمع. إن التمكن من اللغة هو امتلاك مهارة استخدامها كأداة توصيل للمعرفة المشتركة التي تجود بها علينا العلوم الإنسانية. والقواعد النحوية من دون الثراء الذي تمنحه لنا الفنون والعلوم الإنسانية إنما هي وعاء فارغ، وقوالب جامدة لا حياة فيها ولا روح لأنها تفتقر إلى المحتوى الإنساني.


يتوجب علينا أن نعلم طلابنا من خلال العلوم الإنسانية الآثار الاجتماعية والأخلاقية للعلوم الطبيعية وحدود إمكاناتها. ينبغي أن ندرب الطلاب على إدراك أنه لا يمكن اختزال كل مشاكل المجتمع في معادلات رياضية أو مسائل حسابية ونماذج علمية صارمة، وأن نغرس فيهم مفاهيم عن أبعاد الطبيعة الإنسانية التي تستعصي على التنبؤ، وعن آمالها وطموحاتها، وعن نظمها وقيمها، وكل هذه الأمور هي مما لا يمكن الحصول عليه إلا من العلوم الإنسانية.

جريدة عمان : صفحة قصايا وآراء