Monday, April 26, 2010

دهشة سدنة النبع

أخذ الفتى إلى محبسه الأخير إلى الكهف القريب من النبع، ظن حكماء النبع وحراسه أن الفتى سوف يموت من العطش وقلة الغذاء لكنهم تفاجؤا عندما أبصروا مياه الحياة تعود إلى نضارة وجهه، وجسده الذي وجد في حالة شديدة من الاعياء والانهاك تطفر منه الحياة نشاطا ليس له حد. لم يسألهم عن طعام ولا شراب

لم يستطع أحد من الحراس البكم اللذين يحرسون الفتى المسجون أن يبوحوا بسر حباة العنب التي يناولها إياهم الفتى، بل وصل الامر ان رآهم مرة يقاتل أحدهم لكي يأخذ وردية الآخر في الحراسة

تمكن الفتى بفطنته وذكائه من الوصول إلى الأسرار التي لم يستطع الوصول إليها من قبل

تفطن الفتى أن سلوك الحراس قد تغير نحوه بعد أن أخذ يعطيهم بعضا من حبات العنب والثمرات الغريبة التي لا يمكنا أن تنبت في المناطق المحيطة بالنبع، ثم بما أن الحراس بكماء فقد شرع الفتى بالغناء لهم، ذلك كان مفتاحه السحري لقلوب الحرس، نمت بينه وبينهم لغة التفاهم التي أستطاع من خلال هذا التواصل الدخول إلى قلوبهم فتمكنوا من البوح أخيرا بلغة الإشارة، عرف أسرار السدنة والمحيطين بهم وما ينون فعله به، حدثوه عن كل شيء عن حنينهم إلى زوجاتهم واولادهم، شوقهم إلى الكلام والبوح، شوقهم إلى الأكل النظيف، قال له مرة أحدهم -بلغة الإشارة طبعا- أنت أكثر حرية منا، قلبك نظيف ويداك لم تتلطخا بدم، وقال له أيضا منذ أن اتينا إلى هنا لم نعرف طعم ماء النبع، وكيف أن أحد الحراس تجرأ مرة وشرب من النبع فتم قطع يديه أمام الجميع، وكيف ترك والدماء تسيل منه وهو مربوط على جذع سدرة العقوبات الضخمة المعمرة الواقعة بين النبع ومغارات النساك الخمسون المنقوبة في صميم الجبل
تنبه مرة أحد الحراس الجدد إلى أن ثمة بقايا بذور عنب وثمة رائحة فاكهة غريبة على مقبض العصا التي تستخدم لقرع الطبل كلما هم الفتى بالنوم، ذاع الخبر كالنار تحت سقف قبة الاجتماعات، فأخذ قائد الحرس يزبد ويبكي وكأنه طفل أمام محفل السدنة. وكان جزاء إهماله أن تقطع لسانه وتسمل إحدى عينيه وإن يفقد حاسة السمع إلى الابد.


على الفور قرر السدنة أن يتم يتم سحق الحراس الذين تستروا على هذه المخالفات المشينة

تعجب السدنة كيف أن الفتى لم يصبه شيء وهو داخل المغارة المعتمة بدون أكل أو طعام، وبدون أن يتبادل الحديث مع بشر، من أين له كل هذا الطعام ليعطي جزءا منه  لهؤلاء الحراس؟ لم يستطع المحفل المجتمع الوصل إلى جواب شاف لهذا السر الغامض، غير أن الحامل الاول لمفاتيح النبع صرخ فجأة أن راعي النبع السابق قد أوصاه بطريقة وبلغة غامضة أن بعد موته بخمسين سنه سوف يأتي إليكم الفتى الذي سوف تكون رعاية النبع تحت يديه، قال أحد السدنة ولكنا قد حبسنا الكثير من الناس في ذلك الكهف وفي غيره من الكهوف حتى مغارات النساك حولناها إلى سجون، ولم يظهر لنا مثل هذا الفتى من قبل
تحدث المتكفل بتوزيع مياه النبع عن الطيور الغريبة التي ظهرت بعد سجن الفتى وكيف أن ماء النبع يأخذ بالتدفق أكثر كلما غنت تلك الطيور بشدوها العجيب، وتحدث أيضا كيف أن الرعاة أخذوا في الفترة الأخيرة يهملون الأغنام و أصبحوا يطاردون أعشاش الطيور الغريبة للحصول على بيضها الغريب الشكل الذي صاروا يتفننون في أستخدامه في غذائهم دون أن يعتمدوا على الأكل الذي يصرفه لهم محفل السدنة.
تحدث المتصرف بأقوات القرى التابعة للنبع عن زيادة المحصول وكيف أن القروي صار يدفع ما عليه من ضريبة وهو يضحك حيث أن ما يتبقى له من قوت أضعاف ما دفعه لخزين محفل السدنة، وبدل ذلك صار القرويون يكثرون من الاحتفالات يبذرون في مناسبات أعراسهم في الأكل والزينة، حتى المآتم صارت حافلة بكل أطايب المأكولات والمشروبات، بيوتهم صارت أكثر نظافة، بل أن القروي صار يضحك كلما مرت عليه لجنة تحصيل الضرائب بل إنه يتعاضى عن الزيادة في الحصة المفروضة عليه، وقد كانوا يدفعون المفروض عليه من الضريبة وهم عابسون يجادلون حتى على اقل القليل من المحصول، وقد وصل ببعضهم أن يشرب الزيت الذي يزيد على المقدار المفروض عليه امام اللجنة أو أن يستف السكر أو العسل الذي يزيد عن ما هو مفروض عليه.

توجه المتكفل الأول -وهو الذي بعد وفاة الراعي السابق للنبع يشرف على محفل السدنة- إلى كبير مدوني المحفل  أن يدون كل ما ذكره السدنة من تفاصيل، وأن يبعث برسائل عاجلة إلى كل نواب المتكفل الأول في القرى والمدن والقفار والجبال التابعة للنبع أن يدونوا بشكل عاجل كل ما هو غريب من الظواهر والأحداث، وعليهم الحضور العاجل إلى إجتماع المحفل الذي سيقام بعد أسبوع
كما يتوجب على مجلس حراس النبع أن يبحث عن طريقة جديدة لحراسة الفتى وإبعاده تاثيره على الحراس، وتوجه أخيره وعيناه تقدحان بالشرر إلى ظرورة إخفاء سر الفتى وحادثة الحراس والتكنم على وجوده حتى يتم البت في أمره في الاجتماع القادم للمحفل. وأخيرا توجه المتكفل الاول وفي عينيه بريق نظرة سفاك إلى حامل أختام النبع وطلب منه أن يبقى معه بعد أمر بفض إجتماع المحفل.