Thursday, September 9, 2010

مخربوا فرحة الأعياد

ستبقى يا وطني جميلا
وسيبقى بهاؤك ساطعا
تصلني روائح أعياد القرى
هنا حيث تنعتق الفضاءات من رعونة الشتاء
هنا الربيع القادم من عمق البهجة
تصلني روائح الأحقاد
والضربات الموحشة للسفلة مخربي الفرح

ولكنك جميل يا وطني
وستبقى جميلا مهما طالت سلالم المأمول
مخربوا الأحلام فرحون الآن بانتصارهم
ولكنه فرح مؤقت فقط
ليس لهم من مكان أكثر بهاء بهم من مزبلة التاريخ

الأرض لبنيها المخلصين
ولكم يا مخربي فرحة العيد
عفن قلوبكم وخسة طواياكم النتنه

ستضيق التنانير بأحقادكم
ولن تتشرف نيرانها بلمس جلودكم العفنة
ستذيبكم الشمس بنورها
الشمس التي تذيب عفنكم المقدس
عفنكم الذي تعيشون عليه
لن تبقي لكم الشمس من أثر

فأذهبوا إلى الجحيم
لن تستطيعوا تدنيس شرف الحلم بغد أجمل
كم بهي هو الأفق بدون عفنكم الخانق



Sunday, May 2, 2010

التأريخ بالدجاجة، من طرائف بخلاء الجاحظ




في الصفحة 135 من كتاب البخلاء للجاحظ تحقيق طه الحاجري نقرأ هذه القصة:
" كان أبو هذيل أهدى إلى مويس دجاجة. وكانت دجاجته التى أهداها دون ما كان يتخذ مويس، ولكنه بكرمه وبحسن خلقه أظهر التعجب من سمنها وطيب لحمها، وكان يعرفه بالإمساك الشديد( يقصد أبا هذيل). فقال: " وكيف رأيت يا أبا عمران تلك الدجاجة؟" قال: " كانت عجبا من العجب" ، فيقول: " وتدري ما جنسها؟" وتدري ما سنها؟ فإن الدجاجة إنما تطيب بالجنس والسن. وتدري بأي شيئ كنا نسمنها؟ وفي أي مكان كنا نعلفها؟. فلا يزال في هذا، والآخر (أي مويس) يضخك ضحكا نعرفه نحن، ولا يعرفه أبو هذيل.

وكان أبو هذيل أسلم الناس صدرا، واوسعهم خلقا، وأسهلهم سهولة. فإن ذكروا دجاجة قال:" أين كانت ياأبا عمران من تلك الدجاجة؟" فإن ذكروا بطة أو عنافا أو جزورا أو بقرة قال:" فأين كانت تلك الجزور في الجزر من تلك الدجاجة في الدجاج؟"، وإن استسمن أبو هذيل شيئا من الطير والبهائم قال:" لا والله ولا تلك الدجاجة؟"، وإن ذكروا عذوبة الشحم قال:" عذوبة الشحم  في البقر والبط وبطون السمك والدجاج، ولا سيما ذلك الجنس من الدجاج"، وإن ذكروا ميلا شيئ، او قدوم إنسان قال: " كان ذلك بعد أن أهديتها لك بسنة، وكان بين قدوم فلان وبين البعثة بتلك الدجاجة إلا يوم". وكانت مثلا في كل شيئ وتاريخا في كل شيئ)

رحم الله الجاحظ دون في هذا الكتاب الرائع أجمل المواقف والقصص الإنسانية التي لا تمل. ما أود إثارنه هنا هو جانب التشهير ببعض البخلاء، فالجاحظ هنا كان متيقظا لهذه الحالة وإشار إلى ذلك في مواضع متفرقة تستحق النظر والخروج بتدوينة تبحث في هذا الامر . لكن ذلك المطلب غير مقدور عليه في الوقت الحالي ولكن أتمنى العودة إليه لاحقا.

Monday, April 26, 2010

دهشة سدنة النبع

أخذ الفتى إلى محبسه الأخير إلى الكهف القريب من النبع، ظن حكماء النبع وحراسه أن الفتى سوف يموت من العطش وقلة الغذاء لكنهم تفاجؤا عندما أبصروا مياه الحياة تعود إلى نضارة وجهه، وجسده الذي وجد في حالة شديدة من الاعياء والانهاك تطفر منه الحياة نشاطا ليس له حد. لم يسألهم عن طعام ولا شراب

لم يستطع أحد من الحراس البكم اللذين يحرسون الفتى المسجون أن يبوحوا بسر حباة العنب التي يناولها إياهم الفتى، بل وصل الامر ان رآهم مرة يقاتل أحدهم لكي يأخذ وردية الآخر في الحراسة

تمكن الفتى بفطنته وذكائه من الوصول إلى الأسرار التي لم يستطع الوصول إليها من قبل

تفطن الفتى أن سلوك الحراس قد تغير نحوه بعد أن أخذ يعطيهم بعضا من حبات العنب والثمرات الغريبة التي لا يمكنا أن تنبت في المناطق المحيطة بالنبع، ثم بما أن الحراس بكماء فقد شرع الفتى بالغناء لهم، ذلك كان مفتاحه السحري لقلوب الحرس، نمت بينه وبينهم لغة التفاهم التي أستطاع من خلال هذا التواصل الدخول إلى قلوبهم فتمكنوا من البوح أخيرا بلغة الإشارة، عرف أسرار السدنة والمحيطين بهم وما ينون فعله به، حدثوه عن كل شيء عن حنينهم إلى زوجاتهم واولادهم، شوقهم إلى الكلام والبوح، شوقهم إلى الأكل النظيف، قال له مرة أحدهم -بلغة الإشارة طبعا- أنت أكثر حرية منا، قلبك نظيف ويداك لم تتلطخا بدم، وقال له أيضا منذ أن اتينا إلى هنا لم نعرف طعم ماء النبع، وكيف أن أحد الحراس تجرأ مرة وشرب من النبع فتم قطع يديه أمام الجميع، وكيف ترك والدماء تسيل منه وهو مربوط على جذع سدرة العقوبات الضخمة المعمرة الواقعة بين النبع ومغارات النساك الخمسون المنقوبة في صميم الجبل
تنبه مرة أحد الحراس الجدد إلى أن ثمة بقايا بذور عنب وثمة رائحة فاكهة غريبة على مقبض العصا التي تستخدم لقرع الطبل كلما هم الفتى بالنوم، ذاع الخبر كالنار تحت سقف قبة الاجتماعات، فأخذ قائد الحرس يزبد ويبكي وكأنه طفل أمام محفل السدنة. وكان جزاء إهماله أن تقطع لسانه وتسمل إحدى عينيه وإن يفقد حاسة السمع إلى الابد.


على الفور قرر السدنة أن يتم يتم سحق الحراس الذين تستروا على هذه المخالفات المشينة

تعجب السدنة كيف أن الفتى لم يصبه شيء وهو داخل المغارة المعتمة بدون أكل أو طعام، وبدون أن يتبادل الحديث مع بشر، من أين له كل هذا الطعام ليعطي جزءا منه  لهؤلاء الحراس؟ لم يستطع المحفل المجتمع الوصل إلى جواب شاف لهذا السر الغامض، غير أن الحامل الاول لمفاتيح النبع صرخ فجأة أن راعي النبع السابق قد أوصاه بطريقة وبلغة غامضة أن بعد موته بخمسين سنه سوف يأتي إليكم الفتى الذي سوف تكون رعاية النبع تحت يديه، قال أحد السدنة ولكنا قد حبسنا الكثير من الناس في ذلك الكهف وفي غيره من الكهوف حتى مغارات النساك حولناها إلى سجون، ولم يظهر لنا مثل هذا الفتى من قبل
تحدث المتكفل بتوزيع مياه النبع عن الطيور الغريبة التي ظهرت بعد سجن الفتى وكيف أن ماء النبع يأخذ بالتدفق أكثر كلما غنت تلك الطيور بشدوها العجيب، وتحدث أيضا كيف أن الرعاة أخذوا في الفترة الأخيرة يهملون الأغنام و أصبحوا يطاردون أعشاش الطيور الغريبة للحصول على بيضها الغريب الشكل الذي صاروا يتفننون في أستخدامه في غذائهم دون أن يعتمدوا على الأكل الذي يصرفه لهم محفل السدنة.
تحدث المتصرف بأقوات القرى التابعة للنبع عن زيادة المحصول وكيف أن القروي صار يدفع ما عليه من ضريبة وهو يضحك حيث أن ما يتبقى له من قوت أضعاف ما دفعه لخزين محفل السدنة، وبدل ذلك صار القرويون يكثرون من الاحتفالات يبذرون في مناسبات أعراسهم في الأكل والزينة، حتى المآتم صارت حافلة بكل أطايب المأكولات والمشروبات، بيوتهم صارت أكثر نظافة، بل أن القروي صار يضحك كلما مرت عليه لجنة تحصيل الضرائب بل إنه يتعاضى عن الزيادة في الحصة المفروضة عليه، وقد كانوا يدفعون المفروض عليه من الضريبة وهم عابسون يجادلون حتى على اقل القليل من المحصول، وقد وصل ببعضهم أن يشرب الزيت الذي يزيد على المقدار المفروض عليه امام اللجنة أو أن يستف السكر أو العسل الذي يزيد عن ما هو مفروض عليه.

توجه المتكفل الأول -وهو الذي بعد وفاة الراعي السابق للنبع يشرف على محفل السدنة- إلى كبير مدوني المحفل  أن يدون كل ما ذكره السدنة من تفاصيل، وأن يبعث برسائل عاجلة إلى كل نواب المتكفل الأول في القرى والمدن والقفار والجبال التابعة للنبع أن يدونوا بشكل عاجل كل ما هو غريب من الظواهر والأحداث، وعليهم الحضور العاجل إلى إجتماع المحفل الذي سيقام بعد أسبوع
كما يتوجب على مجلس حراس النبع أن يبحث عن طريقة جديدة لحراسة الفتى وإبعاده تاثيره على الحراس، وتوجه أخيره وعيناه تقدحان بالشرر إلى ظرورة إخفاء سر الفتى وحادثة الحراس والتكنم على وجوده حتى يتم البت في أمره في الاجتماع القادم للمحفل. وأخيرا توجه المتكفل الاول وفي عينيه بريق نظرة سفاك إلى حامل أختام النبع وطلب منه أن يبقى معه بعد أمر بفض إجتماع المحفل.

Friday, February 26, 2010

الوصول إلى النبع لا يعني بالضرورة ملامسة الماء

مهما كثر الواردون على النبع سأحتفظ بكفي نظيفة وطاهرة لأشرب من النبع العذب والغير ملوث، ادرك أنني احلم الان بالوصول إلى النبع فالقيود في يدي ورجلي والغشاوة التي تنهال علي من البعيد والقريب تمنعني من رؤية الطريق إلى النبع، وجسدي المتقرح لا يكاد يحتمل تنفسي فكيف له ان يعينني على الوصول إلى النبع، طنين السجانين مزعج. السجان ليس بالضرورة ان يكون من يحمل حزمة المفاتيح ويرقب ذوبان روحك داخل الزنزانه، ربما يكون سجانك من يمنحك ابتسامة ذات وجهين وكلاهما أشد مضاء من الاخرى ويقول لك أخي العزيز هيا لنشرب من النبع سوية وبدون خوف.

أقول سأبقي يدي صافية وحنجرتي نظيفة كما ينبغي حتى عندما أصل إلى النبع ولو متأخرا أضمن أن كفي النظيفة وأن حنجرتي العطشى هما بوصلتي لمواطن الماء الزلال

يا سدنة النبع، الماء يكفي لجميع الحناجر فلا تدعوا خناجركم حكما بيننا، الماء يخترق الصخر فلا تكونوا صخورا مجوفة تصفر فيها الريح وبالطبع لا تخيف أحدا، سيخترقكم الماء بدون شك وستتكفل الريح بالباقي منكم لتذروه في البرية المبسوطة في الأفق