قبل أن يدخل الليل إلى القرية الوادعة كنت وصاحبي قد صعدنا سطح البيت القديم، تفاجئنا ببهاء القمر في تلك الليلة، كانت حرارة الصيف قد انكسرت قليلا، قال لي صاحبي حاذر من أن تمشي في وسط السطح فهو يكاد أن ينهار ولا تحدث ضجة. كنا نترصد شبحا ربما سيأتي ويدمر الغرفة الجميلة لأحلامنا. الشبح الجبان الذي نجد آثار تخريبه ولكن لم نستطع التعرف عليه وهو يقوم بجرمه المشهود.
قلت لصاحبي: هل أنت متأكد أنه سيأتي؟
قال: سيأتي لان الليل فرصته الوحيدة للتخريب
مرت اللحظات وأنا مفتون ببهاء السطح وجمال النسمات تداعب قمم النخيل والقمر يرسل سطوة نوره كلما تقدم الليل
فجأة سمعنا حشرجة حنجرة رجل عجوز، قال صاحبي إنه فلان، ثم ما لبثنا أن سمعنا انفجار بطنه يفرغه تحت إحدى النخلات، كان العجوز يتلذذ بقضاء حاجة إذ أنه في مأمن من سماع أحد له، تمالكنا نفسينا بقوة مخافة أن يسمع صوت ضحكاتنا، عقب كل انفجار كان يعقبه صوت اح اح ، يبدو أن المسكين يفرغ ما بقي من غداء يومه، واستراح من عناء الحرارة في جوفه وفي الهواء المحيط به.
مر الوقت سريعا، كنا ننتقل فوق السطح من مكان إلى آخر وكان صاحبي في كل مرة ينبهني من أن أدوس على المكان الخطا فيحدث المكروه، إذ أن السطح عال جدا فإذا سقط أحدنا فلن يجد فرصة للحياة، فالسطح قد زيد فيه على مر الايام طبقات من الاسمنت القوية وزد على ذلك جذوع النخل، كنت أحس أن السطح يتحرك حتى بدون أدنى حركة منا. بالطبع لم يأت الشبح الذي كنا ننتظره.
ما بقي في الذاكرة وسكن في اللاوعي هو مشهد الاسطح المهتزة للبيت القديم، هذا المشهد الذي ظل يلاحقني في أحلامي طويلا بعد تلك الحادثة. تتغير البيوت والمشاهد المطلة عليها، وكأن هذا المشهد يتلون ويتغير حسب حقب تاريخية أجهلها كما أجهل الأمكنة التي أكون فيها. فمرة بيوت عادية وتارة قلعة حصينة ومرة بيت مزين بزخارف أراها للمرة الأولى، وتارة حصن مبني على سفح جبل ويكون شبه متهدم، وتارة بيت كبير يتحكم في مدخل حارة، بيوت بأسطح واطئة وبيوت بأسطح عالية، عندما استيقظ من النوم أبقى طول اليوم أسترجع المشهد علني أتذكر ملامح المكان ولكن بدون فائدة تذكر، هل أقول ان روح المكان قد تشرب بها وعي اللحظي في تلك اللحظة الترصدية ثم انتقل إلى العقل اللاواعي. في المشاهد الحلمية مرة اكون وحدي ومرة مع أحد، مرة أكون خائفا من مطاردة أحد الاعداء فما ألبث أن أحتمي بالسطح.ومرة على سطح بيت يطل على مجرى واد مع سلاح أنتظر مرور أحد لأقتله، أوأكون هاربا مع شخص غريب أتولى حمايته من مجهولين ينوون قتله.
أزمنة الأسطح تتغير في كل حلم فمرة في الليل ومرة قرب الفجر ومرة في الظهيرة ومرة عند الأصيل، الأغرب من ذلك أن كل تلك المشاهد تحمل سمات المكان العماني في كل مرة، ولكن ما يزيدني حيرة هو أن تلك المشاهد أراها للمرة الأولى في حياتي، وبشر لم ألتق بهم على الأطلاق، فربما يأتون من أزمنة بعيدة في القدم ولكنهم يحملون السمات العمانية، ما يدهشني أنني في تلك الاحلام أعيش اللحظات التي تفرضها الأحلام علي مع أن صوتا غريبا في داخلي أثناء الحلم يقول لي أنك تحلم وهؤلاء البشر ليسو من البشر الذين هم في زمنك. ربما سأكتشف في يوم ما كنه تلك الأحلام والأماكن الغريبة والعجيبة التي يبدو أنها غير موجودة على أرض الواقع. وكل ذلك يعود إلى تلك اللحظة الترصدية في تلك الليلة الغريبة التي أدخلتني إلى أراض حلمية مغرقة في العجائبية المكانية والزمانية.
No comments:
Post a Comment