Tuesday, November 3, 2009

مخطوطة زاد الفقير









قراءة في زاد الفقير وجبر الكسير






لراشد بن خلف بن محمد بن عبدالله بن هاشم العيني الرستاقي ( ق10هـ)



مازالت تأتيني من البعيد تلك المقولة حيث كنا في نقاش حول الثقافة في أخريات النصف الثاني من تسعينيات القرن المنصرم، كنا نتناقش مع أحد الأساتذة الوافدين من كنا نسميه صاحب تجربة كتابية وفكرية متقدمة زمنيا عنا في تلك الفترة، عندما أتى حديثي على تحقيق المخطوطات وأهميته في الثقافة العربية قال ما نصه: التحقيق لا يدخل ضمن الثقافة أو العمل الثقافي التقدمي والطليعي، إنما هو عمل هامشي ولا جدوى منه وتسطيع قراءة التراث دون الحاجة للتحقيق، وكرت الأيام ووجدتني في حديث مع من كان له بعض الإسهامات في نشر المخطوطات العمانية، حين كنت أشير إلى أنه يمكن إضافة الكثير إلى الكتب التي أُشير إلى أنها محققة من خلال قيام المحقق بتزويد الكتاب بمقدمة علمية ونقدية رصينة تشكل دعامة أساسية لفهم العمل المحقق برمته، لكنه أجابني بأن مهمة المحقق هي تصحيح النص وإخراجه فالمحقق ليس ناقدا، إنما المحقق يتخلى عن هذا الدور للناقد، ليجد الناقد عملا له من وراء هذا النص، أقول أجدني الان في حل من تينك المقولتين اللتين لا تعطيان العمل المخطوط حقه في النظر والتمعن، وفي هذه المقالة التي لا يدعي كاتبها أن له اليد الطولى في التحقيق ، هنا محاولة للاطلالة على محتويات الكتاب ونقل المتعة التي رافقتني اثناء تصفحه وطرح الهواجس التي راودتني بعد إدراك القيمة العلمية والفكرية لهذا السِفر المهم في مسيرة الثقافة العمانية .

يعد التراث العلمي العماني في حكم المغيب عن دائرة الاهتمام، هذه الدائرة وإن أوهمتنا باتساعها إلا أنها يشوبها من النقص والتعثر الكثير إذا قارنا بذلك الجهد المبذول في الحقل الفقهي والتاريخي والأدبي على وجه الخصوص،، إلا أن ذلك يدعونا إلى الالتفات بشكل فاحص ودقيق في قراءة ما هو متاح ومتوفر وذلك إشكال آخر من إشكالات دراسة ونشر التراث العماني المخطوط، نقول قراءة في مخطوط، ولو كانت في كتاب مطبوع لكان مقبولا ولكانت القراءة هينة، ذلك لأنها تعتمد على مخطوطة واحدة فقط في ظل غياب المخطوطات الأخرى التي قد تحمل – ربما- اكتمالا ووضوحا أكثر منها.

لربما عندما نتحدث عن كتاب طبي تراثي يثير الاستغراب ( ما الذي سيضيفه تحقيق أو قراءة كتاب يحمل هكذا معرفة وبطريقة تأليف قديمة؟) إذ أن الجميع يدرك التطور الهائل والمستمر لهذا الحقل المعرفي والإنساني المهم، زيادة على ذلك الأسلوب الموسوعي الذي يسم اغلب المؤلفات العربية القديمة و الذي يعتبره الكثيرون وسيلة لتنفير القارئ الذي يريد الحصول على المعلومة بسرعة ودقة وذلك من حقه في كثير من الأحيان، وإذا نظرنا للموسوعية بمنظور أكثر إيجابية وخاصة في( مخطوطة زاد الفقير) نجدها تساعدنا في قراءتها بسهولة ويسر، حيث نجد حضورا للتجربة الشخصية والمعلومات التاريخية واللغويات والفلك والوصفات والاعشاب والصيدلة وغير ذلك الكثير.

* المقدمة:

( الحمد لله الذي خلق الانسان من صلصال كالفخار، وخلق الجان من مارج من نار، وجعل لهم السمع والافيدة [ الافئدة] والابصار، ليعرفوا ماهو نافع، وما هو ضار، وأودع حكمته في اسرار الحيوانات والاحجار، وانزل الطب بلطفه في طبايع الاشجار، فاول ما ايتداء[ابتدأ] الخلق ادار الفلك الدوار، فتولد من ذلك اربعة عناصر واولها النار، واطلع على معرفة ذلك الحكماء الابرار، فاودعوه في الدفاتر والآثار، وصلى الله على رسوله محمد ما انسلخ ليل من نهار، وماجرى الفلك الدوار ودار، وما تنفس مخلوق ولم يكن لنفسه قرار إلى انقضا حال الاعمار.

وبعد فان العلوم المعتمد عليها ثلاثة، علم الابدان، وعلم الاديان، وعلم اللسان، ولا يتوصل إلى معرفتها الا بتقويم الابدان، ولان العقل هو المميز لها وجامعها وهو في البدن، فمتى تغير البدن بشيء من الافات لم يتوصل الانسان إلى علم الاديان، ولا إلى تقويم اللسان، فيجب اولا ان يقوم الانسان بدنه، ولم يعرضه للهلاك، ويقيه من كل آفة ليصح عقله ويقدر على تقويم دينه فيصلح دنياه وآخرته فبهذا يجب أن يكون علم الطب اولى من كل علم الا ترى ان الاديان تسقط عند ابتلاء الابدان، ويذهب التكليف بذهاب العقل وهو نور متصل من القلب إلى الدماغ، فمتى تغير احدهما تغير العقل والله اعلم.

قال مؤلف الكتاب الفقير إلى ربه القدير راشد بن خلف بن محمد بن عبدالله بن هاشم القري ، اني نظرت في كثير من كتب اهل عمان فوقفت على علم الاحكام والاديان ونظم في علم اللسان، ولم اقف على نظم لهم في علم الابدان فدعتني الرغبة إلى أن انظم مختصرا من مختصر الرحمة في الطب والحكمة وحذفت بعض الابواب من اول الكتاب واشرت إلى بعضها اشارة وادخلت من مختصر بقراط الحكيم وشيا [ شيئا] من منهاج البيان عنه ايضا وغير ذلك فمن وقف على ما نظمته فليسد العيب ان رأى خللا او زللا وله من افضل جزا وما حذفت بعض الابواب واسانيد الكتاب الا لقصر باعي، واشتغال طباعي، وامحال المراعي، لا ني قلت ذلك والزمان قد القى على اهله جرانه واشعل في قلوبهم نيرانه، والحرب بين اهل الرساتيق ساطعة واهل المظالم لسبل الله قاطعة، لكن يطفي الله نيران الحروب، ويومن الخايف من جميع الدروب ان الله على كل شيء قدير، هو حسبي عليه توكلت واليه انيب) المقدمة ص 26


                                                 (الصفحة الثانية من المخطوط)

* التكوين العلمي:

- كان لابن عم والده الشيخ خلف بن هاشم بن عبدالله بن هاشم منظومة استدرك بها على مثلثة قطرب( الاتحاف 2/192) مما يدل أن لهذه الاسرة اتصال بالمعارف التي كانت متوافرة في تلك الفترة فاللغة قد حظيت بعناية كبيرة عند العمانيين على اختلاف اشتغالاتهم المعرفية قديما بشكل عام وحظيت في هذا الشرح بعناية حاصة كما ستتم الاشارة إليه في هذه الورقة.

- يشير المؤلف في شرح البيت الاتي:

وقد قال نصر الله في الجرح داوه

بجزءين توتى العين بالسحق يسحلا

نصر الله رجل أعجمي من هرموز وهو نصر الله بن حاجي بن محمد بن حسن بن مزار قتل في دولة محمد بن إسماعيل في وادي السحتن بقرية المبوا أخذ عنه هذه الصفة ومن المعلوم أن نصب الامام محمد بن إسماعيل سنة ست وتسعمائة وتوفي سنة اثنتين وأربعين( الاتحاف 2/155)

- من أشياخه العلامة محمد بن مداد المتوفى سنة 917هـ ويشير راشد أثناء شرحه للابيات الاتية :

ويشرب بول الابل والرسل للوبا

واما ابن مداد فقد قال فيه لا



ويقول: وقد عرضت هذه المسلة ( المسألة) على الشيخ محمد بن عبدالله بن مداد النزوى ببلد فرق فقال لا يجوز ذلك وليست الرواية صحيحة والله أعلم ( المخطوط 75)

وفي شرح البيت التالي:

تصح روايات الرسول حفظتها

بفرق شفاها عنه في جملة الملا

ففي هذا البيت يشير إلى تتلمذه على يد الشيخ المداد مباشرة في فرق والتي يصفها بأنها " بلد معروف سهيلي" ( المخطوط 75) وفي ص 76 من المخطوط يشير إلى أنه أخذ هذه المسألة سنة 910هـ أي قبل وفاة الشيخ الذي توفي سنة 917هـ



- تكثر في الكتاب الاشارات إلى والده بصيغ عدة "وقد سألت والدي" " أو قد سمعت والدي" مما يعني أن لوالده دورا فكريا في تكوينه المعرفي.

 * مكان وزمان نظم القصيدة:





• ( ففي بلد الرستاق عيني نظمتها

فلا عدمت غيثا ولا الربع امحلا

وفي خدمة السلطان من آل يعرب

محمد ذي المجد الشريف وذي العلا

الفا للاستيناف والرستاق هو رستاق عمان وعيني قرية من قراه وهي التي بها فلج الحمام الحار غربي قلعة قصرا ومسكنه منها بالمحلة المعروفة بصنعا ودعا لها بالمطر لا نه قد قال القصيدة على اثر المحل وإن كانت هي ليست من القرى التي تمحل فقد وقع المحل في الرستاق قبل قوله هذا بخمسة عشر سنة ( 919هـ) إلى أن نقص الحمام مقدار ثلث عن زمان الخصب والميسر نقص منه اكثر من غيزه ومات من قرية سوني كثير من الاموال وابو ثعلب نقص منه البعض فلم ينقص من سقيه والطاغي مات وكذلك عين الحلة والمقام وفلج مناقي ولم يبق فيهن شيء من الماء اما فلج المدري فلم ينقص عن سقيه ونقصانه كالحمام والمحدث بقرية الغشب نقص ولم يمت وسقى بعض الاموال .

لعشرين عاما ثم اربع عشرة

وتسع مائين في جمادى تسهلا

والهجرة معروفة أي قد تم نظمه في سنة اربع وثلاثين وتسعمائة سنة وذلك لان العشرين مع اربعة عشر وثلاثون يوما، وذلك في جمادى ولم يذكر الاولى من الاخرة لانه إذا باع الرجل إلى شهر رمضان او غيره فيكون إلى الشهر الذي يليه من ذلك فيكون نظمه في جمادى الاولى اذ لم يسم ايهما وتسهل تيسر) ص123



 * صناعة الصابون:


( فان كنت ذا جسم صحيح ولم تكن        سقيما فلا تشرب دواء مسهلا

يقول فان كنت صحيح الجسم فلا تستعمل المسهلات والاستفراغات لان مثلها في البدن كمثل الصابون للثوب اذا كثر استعماله اتلفه وابلاه سريعا واكثر المسهلات سمية قاتلة والواجب ان يستعمله منها قدرا يسيرا عند الحاجة إليها والله اعلم.

فاكثاره يبلي الجسوم كمثل ما

بصابونة يبلي المغسل لِلمُلا

الجسم جمع جسوم ، قال:

واجسم من عاد جسوم رجالها

واكثر ان عد واعديدا من الرمل

والجسم في عرف المتكلمين هو الطويل العريض المولف، واختلفوا في اقل الاجسام فقيل هو المولف من ستة وقيل هو المولف من اربعة وقيل من جزوين، والصابون هو ما يغسل به الثياب فطبعه حار محرق قوي الجلا وماوه الذي يصفوا منه قاتل يداوى بالقي بالماء الحار والشيرج ثم يسقى مرق الدجاج ودهن اللوز، وصنعته ان يؤخذ لكل عشرة ارطال من الدهن مكوك قلى من القلى الجيد الحار ونصف مكوك نوره جيدة بيضا فيخلط القلى والنورة ويرش عليهما ماء وليكن للحوض من موضع يرشح منه ذلك الماء فاذا انصب عليه الماء عزله على حدة ويجعل عليه ماء ثان وفعل به كذلك ثم ماء ثالث ورابع وعلى ذلك إلى أن يداف ذلك الماء فلا يوجد له حدة ثم يوخذ الماء الاخير الذي خرج عنه وهو اقل المياه حدة فيجعل مع الدهن على القدر في النار ويغلى بنار معتدلة ويحرك حتى يختلط الماء ويذهب اكثره ثم يجعل عليه الماء المتقدم على ذلك الماء ويفعل به كذلك ثم يجعل عليه الماء الذي قبله ثم يغرق في شيء الى جانب القدر ويخلط به ما[ ماء] كثير ويترك ليبرد ثم يرش عليه من ما[ماء] القلى والنورة المعتدلة في الحدة الذي لا يكون من الماء الاول بل من الثالث والرابع ثم يحرك فانه يرسب الماء ويعلو الدهن فيفتح للماء من اسفل الظرف الذي يبرد فيه حتى يخرج الماء ويعاود العمل كذلك مرارا حتى يصير كالعجين ثم يغرف ويعمل كالقوالب والله اعلم) ص111-112.


* الورقة غير مكتملة وليست في صيغتها النهائية والمعدلة إذ أن النسخة المعدلة غير موجودة لدي حاليا.




2 comments:

  1. ننتظر النسخة المعدولة

    ReplyDelete
  2. النسخة المعدلة في عمان وليس معي هنا
    هناك أعداد هائئلة من المخطوطات مازالت تنتظر من ينفض عنها غبار الزمن ويمنحها فرصة ان ترى النور، ولكن متى سيحدث ذلك، فلا أحد يعلمه

    ReplyDelete